تجلس معه ويتحدث دون انقطاع، وتجلس مع صديقك الآخر فيسود الصمت، وربما يكون جلوسكما الصامت أكثر حميمية من جلوس يكثر فيه الكلام. «ليش ما تتكلم» «ليش ساكت» هذه لزمة ستسمعها مراراً وتكراراً في بيتك وإن كنت أكثر خلق الله حديثاً و»ثرثرة»، فلا تزعجك هاتين الجملتين فخلفهما طبيعة أنثوية تفسر الصمت من خلال تطبيق أنثوي واحد منذ أن خلقت أمنا حواء ربما. هو حق مكتسب لكل زوجة، فلا يحق لأي زوج أن يصادره أو أن يتضجر منه، وهذا التعميم على سبيل الأكثرية لا على سبيل التعميم الفعلي فالتعميم لغة الجهلاء، فقد أكون أنا وأنت لا نسمع هاتين الجملتين لكن غيرنا يقيناً سمعها وسيسمعها المقبلون على حياة زوجية هانئة سعيدة بإذن الله تعالى. الصمت ليس عقدة، والكلام ليس عقدة، ولكن إذا صحب أي منهما سلوكيات أو تصرفات متناقضة فقد يكون هذا مؤشراً إلى أن الإنسان الصامت أو المتحدث أمامنا يحتاج إلى معاملة خاصة تحتويه أو تستوعبه أو تفهم حالته بالتحديد، فهما مؤشران -أي الكلام الفائض عن حدود الجلسة أو الصمت الخارج عن المألوف- على احتياج أو رغبة مكبوتة أو سلوك دخيل ربما نحتاج أن نتعامل معه بوعي وعدم ارتباك أو سوء ظن، ولكن يجب أن نتعامل معه، ونتعامل معه بحكمة وروية، وجدية أكثر عندما نلاحظه على الأقارب حولنا ممن هم في سن التكليف وقبله بقليل وبعده بقليل. لا تنزعج من صمت صديقك، ولا يزعجك سؤال زوجتك عن صمتك، فالحياة تحتاج إلى حديث وصمت ونحن نحتاج من يسألنا عن صمتنا، ونحتاج إلى من ينبهنا إلى كثرة كلامنا واستئثارنا بالحديث في الوقت الذي يجب أن نتقاسم فيه الصمت كما نتقاسم الحديث، وخذ حالة التبدل بين الصمت الطويل والحديث الكثير في الأقارب من حولك ممن لهم عليك حق الاهتمام بجدية دون أن تشعرهم، ولكن اشعر بهم واقترب منهم فربما هم بحاجة إلى أن يُشعروك بصمتهم أو يبثون لك هموماً أو انكسارات أو طموحات أثقلت أرواحهم وتحتاج أن تخرج لتجد سبيلها إلى الحياة. الصمت والكلام؛ كلاهما لغات فردية واجتماعية لهما أصولهما ودلالاتهما، ويرتبطان بالعرف والعادات والثقافة، ويخضعان لتقييم مرتبط بالزمان والمكان والظروف، ففي وقت يستحسن الكلام، وفي بعض المواقف يرتفع سقف قيمة الصمت، والصمت والكلام بالإضافة لكونهما يخضعان لثقافة المجتمع، فهما كذلك مؤشران مهمان يسترشد بهما الاختصاصي النفسي، والاختصاصي الاجتماعي.