منذ تأسيسها على يد القائد العبقري الفذّ، صقر الجزيرة، الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- شكّلت المملكة العربية السعودية قلباً نابضاً تمتدُّ شرايينه وأوعيته إلى كافة أشقائها وجيرانها بل الإقليم بأكمله، وامتداداً للعالم بأسره، قَلْبٌ عامر بالخير والعطاء، فكانت بثقلها السياسي والإقليمي البارز تنهض بدورٍ محوريّ في دعم استقرار وسيادة الدول العربية، يأتي هذا استشعاراً منها بدورها العروبي والإسلامي والإنساني الذي يأتي مُنطلقاً من رؤيتها العميقة والثابتة في دعم كل جهد وعمل ومبادرة تسعى لاستقرار المنطقة وبسط الأمن والازدهار، ونزع فتيل كل نزاع أو خلاف أو توتّر يهدد هذا الاستقرار أو النمو، وكذا كل ما يحقق تطلُّعاتِ شعوب المنطقة نحو الرخاء والعيش الكريم، والتكامل الاقتصادي الذي من شأنه أن يرسّخ هذا الطموح بل ويعمل على تحقيقه بكل الوسائل وكل المُمكّنات، على اعتبار أن شعوبنا ودولنا جسد واحد ينال أعضاءه ما ينال أي عضوٍ منه إن خيراً وإن شراً -لا سمح الله-. في هذا السياق يبدو دور المملكة جليّاً بارزاً، وهو يواصل دوره الأصيل الثابت تجاه لبنان من التزام راسخ مستدام في دعم سيادة لبنان، وهو ما يلمسه المتابع في جهودها، وتشجيع القوى الوطنية اللبنانية كافة إلى سرعة التحرك لإنجاز الاستحقاقات المهمة المفضية إلى تمكين بلادهم من اجتياز محنتها، لا سيما إجراء الانتخابات الرئاسية، وانتخاب رئيس قادر على توحيد الشعب اللبناني، وعلى العمل مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لتجاوز الأزمة الحالية؛ وهو ما أكدت عليه المملكة من ضرورة قيام الحكومة اللبنانية الحالية، وأي حكومة مقبلة، بتنفيذ أحكام قرار مجلس الأمن (1701)، والقرارات الدولية ذات الصلة بالملف اللبناني، بما في ذلك تلك الصادرة من جامعة الدول العربية، التي تؤكد على دور الدولة اللبنانية، لا سيما الجيش اللبناني في بسط السيادة الكاملة على كامل التراب الوطني اللبناني. لقد كانت المملكة -وما زالت- الشريك الرئيس الفعال والمؤثر في الجهود الإقليمية والدولية الهادفة إلى وقف التصعيد العسكري في المنطقة لا سيما في لبنان، وقد شددت المملكة في مواقفها الثابتة على أهمية أن ينهض مجلس الأمن الدولي بمسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسِّلْم الدوليين، مؤكدة على دورها في عدم السماح بما يهدد هذا الأمن والسلم بأي طريقة كانت، وهو وضوح يؤكد على ثبات المواقف السعودية والوقوف ضدّ ما يعكّر أجواء الاستقرار والسيادة للدول على أراضيها. أما العلاقة بين المملكة ولبنان؛ فهي من الرسوخ والثبات والقوة ما ينأى بهما عن مُعكّر، فالمملكة دائمة الدعوة للتحلي بأقصى درجات ضبط النفس في لبنان وغيره، كما أن وقوفها مع الشعب اللبناني ومدّ يد العون له هو واجب تعدّه من مواقفها الراسخة، كما أنها تقف إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق بكل اهتمام ليتمكن من مواجهة تلك التداعيات الخطيرة التي ألقت بظلالها على الشعب وكافة مناشط حياته وسبل العيش الكريم فيه. وهو وقوف يأتي امتداداً لجهود المملكة الأخوية والتاريخية في دعم أمن لبنان واستقراره، لعل أهمها إسهام المملكة بشكل فاعل في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت (15) عاماً، من خلال رعايتها واستضافتها لاجتماعات مجلس النواب اللبناني في العام 1989م في مدينة الطائف، التي شهدت توقيع «اتفاق الطائف» التاريخي، الذي يعد أحد مكتسبات السياسة الخارجية للمملكة.