فاز ثلاثة أكاديميين يوم الاثنين الماضي بجائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2024 عن بحوثهم التي تناولوا فيها سبب استمرار عدم المساواة في العالم، ولا سيما في الدول التي تعاني الفساد والدكتاتورية، واعتمد الباحثون بيانات ساهمت جماعات مؤيدة للديمقراطية في جمعها، حيث تطرق الفائزون إلى أن نشر المساواة "يتطلب أن تستعيد الدول الحكم الأفضل والأنظف وتقديم وعد بإقرار الديمقراطية لمجموعة أكبر من الناس". وأول ما يلفت النظر هنا هو تسيس المساواة، وهذا لا يثير الاستغراب، الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، لطالما قدمت جوائز نوبل للآداب والسلام على أساس سياسي. وأنا هنا لا أريد التقليل من دور الأكاديمية السويدية في تشجيع العلماء والباحثين ولا من مكانة المؤسسات الديمقراطية في نشر المساواة، فالأمر المرفوض هو تسييس الجوائز وربطها بأمور أنية، لا علاقة لها بالأهداف السامية التي من أجل تحقيقها يتم منحها. هناك العديد من التساؤلات التي تثيرها الجائزة التي منحت هذا العام، وأولها: ما تفسير المساواة، وهل ارتفاع نسبة البطالة ومن يعيشون دون متوسط الحد الأدنى لخط الفقر هي مؤشر لعدم المساواة أم لا؟ وثانيها، ما تعريف فريق جامعي البيانات، التي اعتمد عليها الحاصلون على جائزة نوبل للاقتصاد، للديمقراطية، وعلى أي أساس صنفوا هذه الدولة أو تلك ضمن قائمة الدول الديمقراطية من عدمها، وفيما إذا كانت الصين، التي قضت على الفقر، من بين الدول التي جمعوا منها بيانات أم لا؟ فالصين من البلدان التي لم أرَ أحدا، خلال زياراتي لها، يبيت في الشوارع. ولهذا فنحن أمام خيارين، فإما أن تكون الصين التي تنتشر المساواة فيها على نطاق أوسع مما هو في الغرب هي أكثر ديمقراطية من الدول التي تدعي الديمقراطية، وفقاً لمقاسات الحاصلين على نوبل للاقتصاد، أو أن ربط هؤلاء بين المساواة والديمقراطية هو أمر مبالغ فيه بشكل كبير. إن تحقيق المساواة، هو أمر نسبي، ففي الدول التي يسمونها ديمقراطية، هناك نسبة لا يستهان بها تعيش على دخل أقل من متوسط الحد الأدنى للفقر، كما أن هناك في هذه الدول من لا يستطيعون الحصول على المساعدات الطبية التي يحتاجونها، وتنتشر بين صفوفهم الأوبئة والإدمان على المخدرات والنوم على الطرقات والأرصفة. إن موضوع المساواة، هو موضوع مهم، ولكن تسييسه، ليس فقط يسيء إليه، وإنما أيضاً لا يساعد على حله. فالناس مختلفون في المواهب والكفاءات ومستوى التعليم، وبالتالي في الدخل الذي يحصلون عليه. ورغم ذلك، فإن الحد الأدنى من الدخل يفترض، أن يحصل عليه الجميع. وهذا المستوى، يفترض أن يؤمن الحد الأدنى من الكرامة. ولذلك، تبذل المملكة كل ما في وسعها من أجل تأمين مستوى من الدخل لمواطنيها، يحفظ للجميع كرامتهم، والذي بعده تتفاوت المداخيل، وهذا يشمل الأرباح الذي يحصل عليه أصحاب الأعمال، بمقدار ما لدى أصحابها من كفاءات ومواهب وهذا هو عين العدل.