منذ أن باشرت الأكاديمية السويدية الاهتمام بجائزة نوبل للآداب سنة 1901 وهي تتعرض لانتقادات أحياناً محقة وأحياناً ظالمة من المجتمع السويدي ومن خارجه. ولكن لم يحدث ولا مرة أن خرج واحد من أهل البيت عن صمته وتكلم بجرأة عما يدور في داخله تجاه الأكاديمية السويدية، إلا منذ أيام عندما أصدر الكاتب السويدي والعضو المستقيل من الأكاديمية السويدية لارش جيللن ستن كتاب مذكراته تحت عنوان "ذكريات، فقط ذكريات" دار البرت بونير للنشر في العاصمة السويديةستوكهولم. يبدأ جيللن ستن مذكراته من أيام الطفولة ويمر بمراحل الشباب والدراسة وحياته العائلية ثم ينتقل الى مرحلة دخوله الأكاديمية السويدية فيرمي القنبلة تلو الأخرى كي تصل أصواتها أبعد بكثير من مبنى بيت البورصة، المقر الرئيسي للأكاديمية السويدية ولجنة نوبل للآداب. انتخب جيللن ستن عضواً في الأكاديمية السويدية سنة 1966 وتسلم رئاستها سنة 1977 ثم سحب عضويته منها نهائياً سنة 1989 احتجاجاً على رفض الأكاديمية السويدية اصدار بيان شجب ضد الفتوى التي أصدرها الإمام الخميني الراحل بحق الكاتب الإنكليزي سلمان رشدي. ولكن قضية استقالته من الأكاديمية السويدية لا تحتل الحيز الأكبر في كتابه بل هو يتطرق الى موضوعات أشدّ حساسية بالنسبة للوسط الثقافي السويدي ولبعض الكتّاب العالميين مثل الكاتب الفرنسي جان بول سارتر. ولكن قبل أن يدخل الكاتب جيللن ستن في هذه القضايا كلها يبدأ بالاعتراف أنه "عندما دخلت الأكاديمية السويدية لم يكن عندي المعلومات الكافية عن المهمات التي تقوم بها تلك الأكاديمية ومن هم أعضاؤها، ولكن قررت أن أكون صورة عن تلك الأكاديمية غير المعروفة بالنسبة لي في ذلك الوقت". ويشرح جيللن ستن كيف تمكن من التعرف عن طريق العمل فيها ومع أعضائها ويكتب: "كانت الأكاديمية في ذلك الوقت قوية جداً وتتألف من مجموعة أعضاء من نوعية فريدة ومميزة. ومن أفضل الأعضاء الذين مروا على الأكاديمية منذ أوائل القرن التاسع عشر". ويستمر على المنوال نفسه في شرحه الإيجابي عن عمل الأكاديمية وأعضائها ولكنه يدخل ببطء وبطريقة لغوية وأدبية ممتازة الى الناحية السلبية في الأكاديمية وخصوصاً عندما يتطرق الى المهمات الرئيسية التي كانت موكلة اليه. ويشرح انه "في البداية كانت تقوم الأكاديمية بمهمتها الرئيسية ان تعمل من أجل اللغة السويدية وكانت تكتب قواميس مختلفة، ومعظم الأعضاء لم يكونوا اختصاصيين باللغة، وعلى الأرجح شعروا انهم غرباء عن تلك اللوائح المملة". ويشرح ان العمل في تلك القواميس تحسن مع الزمن ولكنه عندما تسلم الكاتب ستيري الين مهمة سكرتارية الأكاديمية بدأت الأشياء تأخذ منحى آخر. ويكتب جيللن ستن أنه "قام الين باستغلال المعلومات الموجودة لدى الأكاديمية ليصدر قواميس خاصة به شخصياً، من بينها "قاموس سويدي" مبني على معلومات لغوية من قواميس الأكاديمية"، ويتهم جيللن ستن، الين ان "قاموسه يحتوي على كلمات معادية للسامية، مثل الشرح لكلمة يهودي: "رهن ساعته الذهبية عند اليهودي" و"استدان مالاً من اليهودي". ويدعي جيللن ستن ان القاموس يحتوي على مجموعة كبيرة من الأخطاء اللغوية في مجال العلوم الفزيائية والطبية وكذلك في الأدب والموسيقى. وأنه شخصياً تلقى الكثير من الشكاوى ضد ذلك القاموس من جهات مختلفة لا يذكرها. وهجومه على سكرتير الأكاديمية السابق ستيري الن يصبح أكثر حدة عندما يدخل جيللن ستن في تفاصيل أخرى تتعلق بأحوال الن الاقتصادية التي يكتب عنها "اتبع الين طرق قاسية من أجل الحصول على المال، فهو طالب في احدى اجتماعات اكاديمية ان يصرف له تعويض يومي عن عمله في الأكاديمية، وهو بخل لم يظهره أحد من أسلافه". ويستمر جيللن ستن في توجيه الاتهامات للسكرتير السابق الين في أنه ليس بالشخص الكفؤ ولا يتمتع بأسلوب لغوي جيد وانه كاتب من شريحة الهواة وان "الأكاديمية حصلت على أموال كثيرة ولكنها ذهبت في طرق الغش على يد الين وجماعته". ولكن الهجوم الفاضح والقاسي على السكرتير السابق له أبعاد أكثر من أموال صرفت أو قواميس صدرت على حساب الأكاديمية فالمسألة تعود الى سنة 1989 عندما رفض الين أن يصدر بياناً باسم الأكاديمية السويدية يدين الفتوى ضد سلمان رشدي، ولكن جيللن ستن لا يعطي حيزاً كبيراً لقضية الفتوى في كتابه وهو لا يرغب في أن يربط بين عدائه لالين ورفض هذا الأخير اصدار بيان شجب ضد الفتوى. ولكنّ أموراً كثيرة تشير الى ان جيللن ستن يكن كرهاً كبيراً للسكرتير السابق بسبب قضية الفتوى خصوصاً أنه شخصياً تقدم بطلب استقالة من الأكاديمية سنة 1989 بسبب قضية رشدي. ينتقل جيللن ستن في كتابه الى جائزة نوبل للآداب وطرق الإعلان عنها، فهو يكشف أنه "كان هناك محاولات مستمرة من قبل الأكاديمية من أجل خدع الرأي العام والإعلام في هوية الذي كان سيحصل على الجائزة. وذلك يعود لأسباب عدة منها سياسية"، ويضيف جيللن ستن ان بعض السفارات الأجنبية في السويد حاولت من خلال سفرائها ان تؤثر على قرار لجنة نوبل من أجل الحصول على الجائزة ومن بينها سفارة البرتغال. ويكتب "عندما انتقلت البرتغال من نظام ديكتاتوري الى نظام ديموقراطي طلب من الأكاديمية ان تمنح البرتغال جائزة نوبل من أجل الاعلان انها في حال صحية جيدة تخولها الدخول في التجمع الأدبي الأوروبي. وكان الاصرار على ان تذهب الجائزة الى برتغالي من البرتغال الأوروبية وليس الى برتغالي من البرازيل. ويضيف ان اليابانوالصين بدورهما أيضاً حاولا أن يضغطا بشكل أو بآخر على الأكاديمية تحت ذريعة ان آسيا لم تحصل على نصيبها الكافي من الجوائز. ويذكر ان "الكثير من الصحف الصينية ذكرت في بعض مقالاتها ان الصين هي ربع سكان العالم لذا من المفترض أن تذهب ربع الجوائز الى الصين". ويدخل جيللن ستن في موضوع اعطاء جائزة نوبل للآداب للكاتبين السويديين هاري مارتنسون وايفند جونسون سنة 1974 ويلقي أضواء جديدة تكشف تفاصيل موت الكاتب مارتنسون. الكاتب مارتنسون كان يدعو الى السلام ومحبة الإنسان وهاجم العنف وله اشعار تتميز بالرقة منها "رياح الشمال" وكتب قصصاً اجتماعية رائعة منها "أسفار بلا هدف" و"طريق كلوكريك". ويعلن جيللن ستن وللمرة الأولى ان الكاتب السويدي الكبير مارتنسون قتل نفسه على طريقة "هارا كيري" أي الانتحار وفق الأسلوب الياباني في ادخال سكين في الحوض. ويشرح جيللن ستن انه "عندما حصل مارتنسون على الجائزة قام بعض الكتّاب الراديكاليين بالادعاء ان الأكاديمية اخطأت في اعطاء مارتنسون جائزة نوبل لأنه عضو في الأكاديمية السويدية. وأكثر الذين هاجموا مارتنسون والأكاديمية كانت صحيفة "اكسبرسن" عندما نشرت مقالة للصحافي سفن دلبلانك الذي جرح مشاعر مارتنسون بمقالته "ويقول جيللن ستن ان تلك المقالة أدت الى زرع الاحباط في روح مارتنسون الحساس والذي كان يتمتع بطوية انسانية عالية. وبعد ذلك تدهورت حاله النفسية لدرجة انه تمّ نقله الى المستشفى وكان من المقرر ان يعالج نفسياً. ويشرح جيللن ستن انه "لم يتم الاعتناء بالكاتب مارتنسون كما يجب في المستشفى، فهو وضع في غرفة واحدة ولم يحظ باهتمام كبير حتى ان الأشياء الحادة لم تُبعد عنه وهو من الممكن أن يؤذي نفسه بها. ولكن بعد فترة قليلة سمع أحدهم أصواتاً غريبة تأتي من غرفة مارتنسون التي دخلوها ووجدوا أمعاءه ممزقة أمامه بعد ان استخدم مقصاً في طعن نفسه في الحوض واخراج أمعائه على الطريقة اليابانية هارا كيري. ويضع جيللن ستن كل اللوم في انتحار مارتنسون على جزء من المثقفين السويديين وعلى الإعلام عموماً وعلى المقالة التي نشرتها صحيفة "اكسبرسن" في شكل خاص. ويكشف جيللن ستن وللمرّة الأولى ان الكاتب الفرنسي جان بول سارتر الذي منح جائزة نوبل للآداب سنة 1964 ورفضها في ذلك الوقت عاد سنة 1975 واتصل عبر وكيل له بالاكاديمية سائلاً فيما اذا كان بالامكان ان يحصل على أموال الجائزة. ولكن بما أن أكثر من عشر سنوات مرت على منحه الجائزة ورفضه إياها في بادئ الأمر، قامت الاكاديمية باستخدامها في أمور داخلية، وبهذا لم يتمكن جان بول سارتر من الحصول على ما يريد. كتاب الأديب والسكرتير الأسبق للأكاديمية السويدية لارش جيللن ستن الذي أصبح له من العمر 81 عاماً يلقي ضوءاً جديداً على الصراع الداخلي الذي يدور في أكاديمية النبلاء.