في حين أن مفهوم العمل التطوعي متعدد الأوجه، فإنني أميل إلى الوصف القائل بأنه: "عمل إنساني يعكس فيه الفرد رغبته الصادقة في إفادة مجتمعه والمجتمعات الإنسانية بما يمتلكه من إمكانات مادية وفكرية ومهارية... بهدف المساعدة دون أي مقابل". وبالفهم على هذا النحو، فإن العمل التطوعي يعتبر تجسيدا حقيقيا ل"روح الإيثار"، حيث يمثل قوة دافعة تشعل الرغبة في إحداث تأثير إيجابي على المجتمع، بينما تعزز من النمو الشخصي وتطوير المهارات الذاتية، وفي هذا السياق، تتجلى الأندية السعودية في الخارج باعتبارها منارات تسعى لخدمة المبتعثين، مقدمةً لهم الإرشادات والدعم استنادًا إلى الخبرة الواسعة في مجالات الحياة الدراسية والاجتماعية. لقد كانت تجربتي في النادي السعودي في مدينة برايتون البريطانية، لعامين على التوالي، واحدة من أثرى التجارب المضيئة، انضمامي رئيسًا للجنة الاجتماعية لدورة 42 لعام 2023 ثم رئيسًا للجنة الثقافية للدورة الحالية 43 لعام 2024، لم يكن مجرد انخراط في نشاطات اجتماعية فحسب؛ بل كان بمثابة استكشاف للذات من خلال التفاعل مع مجموعة متنوعة من الأفراد (مع الاعتراف بأن الغربة هي المحك الحقيقي لاختبار المرء لنفسه)، منذ بداية المهمة التطوعية، كان هناك انسجام واضح بين الأعضاء ودافع قوي لتقديم الأفضل، مما جعل من استمرارية عطاء النادي "حقيقة واقعة"، حيث عبرت الإنجازات من خلال المناسبات الوطنية والاجتماعية والدينية التي شهدناها معًا، مما جعلني ممتنًا لكل لحظة في هذه الرحلة البناءة. إن العمل التطوعي رغم تحدياته المتعددة، يظل مصدرًا لا ينضب من الفوائد النفسية والمهاراتية، بالنسبة لي كانت تنمية "الذكاء العاطفي" إحدى أهم المكاسب من تجربتي التطوعية، فالتفاعل مع أفراد من خلفيات متنوعة عزز من قدرتي على فهم مشاعرهم ورغباتهم، وساهم في تشكيل تفاعلات اجتماعية أكثر عمقًا. في كلن من تجربتي -أستاذاً جامعيًا في وطني، ومشوار التطوع في برايتون- وجدت نفسي في موقع المسؤول وفي الواجهة (على الرغم من أن الأولى دوافعها تختلف قليلًا عن الأخيرة) مما مكنني من تطوير هذه المهارة بشكل، كما أزعم، يصعب أن توفره الدورات التدريبية والمحاضرات ذات الصلة، على الرغم من أهميتها جميعًا، كل موقف مررت به بصفتي متطوعًا، كل تحد واجهته مع زملائي، أسهم في صقل شخصيتي والنظر لقدراتي بإيجابية في التعامل مع مختلف الظروف. أما "الثقة بالنفس" فهي إحدى أعظم الهدايا التي يمنحها ويعززها العمل التطوعي، فكل جهد نقوم به نحن أعضاء النادي السعودي في برايتون، وكل نصيحة نقدمها للمبتعثين، ترفع من همتنا وشعورنا بالكفاءة والإنجاز؛ الأمر الذي يدفعنا بعيدًا عن دوامة الإحباط والسلبية، وكما قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ذات مرة: "همة السعوديين مثل جبل طويق... ولن ننكسر"، تلك اللحظات التي شعرنا فيها بالرضا عن مساعدة الآخرين في كل أمر، سواءً في كيفية إتقان اللغة الإنجليزية أو في توفير الدعم النفسي وغيره لأولئك الذين هم في بدايات المرحلة؛ حيث التحدي الثقافي والحنين إلى الوطن يهيمنان على المشاعر والحديث، إن العمل التطوعي يعتبر مهمة نبيلة تزداد عظمتها مع أولئك الذين يتحلون بالصبر ويتمتعون بعقلية إيجابية. ختامًا، أود أن أعبر عن شكري وامتناني لزملائي الذين كنت محظوظًا بالعمل معهم في النادي السعودي في برايتون على دعمهم وجهدهم، وأعرب أيضًا عن خالص الشكر لكل من ساهم في مهمة العمل التطوعي في الأندية الطلابية السعودية في المملكة المتحدة، إنكم ترسمون لوحة مشرقة من التعاون والإيثار، وتجربة لا تنسى تحمل في طياتها الأمل والطموح.