يعتبر النقد الأدبي أحد الأدوات الرئيسة التي تساهم في فهم الأعمال الأدبية بعمق وتحليلها بدقة من خلاله يمكن يتم استكشاف العديد من الأبعاد المختلفة للأدب والثقافة، ما يسمح بفهم أعمق وأشمل الأعمال الأدبية وتأثيرها على المجتمع والفرد، ويتنوع النقد الأدبي بين الأكاديمي والانطباعي ولكل منهما مميزات يمكن ملاحظتها. الدراسات النقدية التي تتخذ طريقة ومنهجية علمية هي ما تعرف بالنقد الأكاديمي المعروف بالتركيز على الجوانب الفنية والنظرية للأعمال الأدبية، ويتيح النقد الأكاديمي فهمًا عميقًا للنصوص وتحليلًا هادفًا، فالناقد والباحث الأكاديمي يعد البحث النقدي بجهد فكري، وعلى الصحافة أن تنزل ميدانياً إلى الساحة وتتعامل مع تلك الأبحاث بالتعريف والنشر عنها بمصداقية. بينما يعتمد النقد الانطباعي على تجارب ومشاعر الفرد تجاه النصوص، ويسمح النقد الانطباعي بالتعبير الشخصي والعواطف تجاه الأعمال الأدبية، حيث نجد بعض المثقفين يقومون بنقد العمل الإبداعي مظهرين كل ما هو إيجابي، ولكنهم في المقابل يبتعدون ويحجمون عن تشريح الأعمال ونقدها، علما أن نقد الأعمال الإبداعية يرفع من قيمتها ولا يسيء إلى العمل كما قد يعتقد البعض، فوجود النقد ضرورة، لأنه بمثابة المقياس والمعيار. وتشهد الساحة النقدية نوعاً من التغيب أو التغييب في بعض حالاتها النقد الأكاديمي فهناك مشاكل متعلقة بالدراسات الأكاديمية كممارسة نقدية، وضيق المساحة التي تحضر فيها، فهي لا تظهر إلا إذا تسنى لها ذلك في المجلات الأكاديمية المحكّمة والدوريات الأدبية والثقافية الرصينة، وهو ما يجعلها اليوم في حالة انضواء وتراجع، وهذا سيخلق لنا معضلة أخرى هي أن هذه الجهود الأكاديمية ستظل حبيسة الحقل الأكاديمي. في المقابل نلاحظ بروز النقد الانطباعي في بعض المواضع، فالنقد الأكاديمي الرصين المحكم مغيّب عن الصّحافة، والمشهد النقدي العربي بحاجة إلى تكاثف جهود وحلقات تواصل بين الباحثين والمؤسسات الأكاديمية والصحافة، فالنقد مرتبط بقضايا الفكر وآفاق التعبير، ونحن في العالم العربي أمام تحدٍّ كبير متمثل في تراجع المعرفة وتراجع النقد الأدبي، وقد يكون غياب النقد عن الساحة العربية مرده قلة المدارس النقدية نفسها في عالمنا العربي كما يرى بعض المختصين. تمركز النقد في الساحة الثقافية حالة صحية يجب تعزيزها، ومعالجة حالة العزوف بين جمهور المثقفين وغير المثقفين تجاه النقد، بشكل عام، وقد يعود السبب في ذلك إلى الصعوبات التي تواجههم لاستيعاب طرح أصحاب الفكر النقدي وطريقة معالجتهم للمسائل النقدية، كما يتوجب على المؤسسات الثقافية والعلمية التي تحتضن التفكير الناقد وتشجع على إعمال المَلكة الفكرية النقدية، من خلال العناية بالكتابات النقدية والإعلان عن النتاجات والأقلام الفكرية، ومكافأة الناقد على مجهوداته الفكرية، وهذا أقل ما يمكن فعله لتعزيز ثقته بمُنجزه وذاته. وأعتقد كل نوع من أنواع النقد له قيمته الخاصة، النقد الأكاديمي يوفر تحليلًا موضوعيًا وعلميًا للأعمال الأدبية، بينما النقد الانطباعي يعكس ردود الفعل الشخصية والعواطف ويعتمد الاختيار بينهما على الهدف من النقد والطريقة التي ترغب في التعبير من خلالها والتوازن بينهما يحقق قيمة معرفية وفكرية وثقافية سليمة. وفي ظني أن جهاز مهم مثل هيئة الأدب في وزارة الثقافة وهو يقوم اليوم بجهود مشكورة في مجالات شتى تشجع وتحفز الكتاب في المجالات الإبداعية بمختلف فنونها قادر اليوم على تحفيز هذا الجانب لدى الأقلام الشبابية القادرة على إنعاش حياتنا النقدية في الوسط الثقافي السعودي التي تكاد تكون قد توارت كثيراً عن المشهد عما كانت عليه في فترة مهمة مثل فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وما حققته من منجز أسهم في بناء حراك إبداعي وفكري سعودي مهم، نجني اليوم آثاره بصورة واضحة.