تهتم الأندية الأدبية بالأمسيات الشعرية والقصصية إلا أنها من النادر أن تنظم فعالية نقدية أو أن تضم بين جنباتها جماعة للنقد كما هو المعتاد عليه من وجود جماعات للشعر والقصة في أروقتها.. فإلى ماذا تعود ندرة الملتقيات والأنشطة النقدية في الأندية والمؤسسات الثقافية عموما رغم كثرة النشاط الأدبي والفني الذي يشير إلى مستوى الحاجة إلى نشاط نقدي مواز يستوعب هذا المنتج الوطني ويغربله ويشير إليه باتجاه الأفضل؟! هذا ما يناقشه «الجسر الثقافي» مع بعض النقاد والمثقفين في الاستطلاع التالي.. جنس أدبي في البدء، يقول الدكتور سليمان عبدالحق، أستاذ النقد الأدبي والبلاغة المشارك بجامعة الملك فيصل بالأحساء: الحقيقة أن موضوع السؤال محوري وواقعي، حيث إنه ينبع من طبيعة النشاط النقدي الذي يعاني أزمة كبيرة، بل يعاني غبنا واضحا في المؤسسات الثقافية والمنتديات الأدبية التي تعنى بالأجناس الأدبية بعامة في العصر الحديث. وربما يرجع السبب في ذلك إلى مظانٍ عديدة، أهمها: 1- الطبيعة التنظيرية المجردة للنقد كجنس أدبي يسير في طريق متواز مع الأجناس الأدبية، مما يفقده سمة التشويق والإثارة. 2- اكتفاء كثير من النقاد بمجرد التصريح باستحسان العمل الأدبي أو استهجانه، دون ذكر أسباب ذلك. 3- تسرع كثير من الباحثين في مجال الأدب واستعجالهم في الوصول إلى مرحلة النضوج النقدي دون إعطاء أنفسهم الوقت الكافي للتكون والاكتمال. 4- إهمال النقد التطبيقي الذي يضع الناقد بإزاء النص الأدبي مباشرة، فيقوم الأول بالتحليل شكلا ومضمونا، مدللا على آرائه بما يثبت صحتها من خلال النص نفسه. 5- تناسي كثير من الباحثين أن النقد جنس أدبي فيه من الإبداع مثل ما في الأجناس الأخرى، كما أنه لا يمكن أن ينفصل بأي حال عن تلك الأجناس، من شعر، وقصة، ورواية، ومسرحية، وغيرها. ولهذا اقترح أن تهتم المؤسسات الثقافية في ندواتها وفعالياتها الثقافية بأن تقسمها قسمين: قسم للأدب الإنشائي كالشعر أو القصة أو الرواية أو المسرحية. وقسم آخر للنقد ليفسر ويشرح، ويعلق على تلك الأعمال، ويقيمها ويقومها في الوقت نفسه. هوة وجفوة فيما يرجع الأديب إبراهيم شيخ الأمر إلى الهوة الكبيرة بين الناقد والمثقف والمجتمع فبعض النقاد غير مرغوبين من قبل المثقف بسبب تعنتهم وعنجهيتهم وهضم حقوق المثقفين وكونهم حجر عثرة في طريق نجاح المثقف، وهذا على نطاق واسع وخاصة بين الإخوة الأكاديميين فهم سيف لا يقبلون من احد الا حسب هواهم، والأفظع انني سمعت من بعض الإخوة انهم يجاملون ويشجعون من يعرفون ويبعدون ويقصون غيرهم. ويضيف: الناقد لا ينبت الا في ارض خصبة يعني مكان مثقفين وإذا كانوا كذلك فمن يحبهم ومن يستمع لهم. ومن شدة تعنت الأكاديميين سامحهم الله ان هناك نصوصا تجاز من نقاد لهم باع طويل ويرفضها الأكاديمي بسبب حجة واهية او شيء بسيط ولو كان المثقف يعرفه فلن تكون هناك مشكلة كما سمعت ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم، ومن هنا جاءت هذه الهوة الكبيرة والاعراض عن النقاد والاسترشاد بآرائهم. ضعف التأثير ويوضح الدكتور أحمد إسماعيل أن أساس القضية ليس تنظيميا وإنما هو في العلاقة بين الأدب والنقد، فيقول: الأدب قديم قدم الإبداع وأجناسه الفطرية القائمة على الإيقاع والحكاية.. ولكن النقد قديم متجدد على أسس وقوانين غير فطرية، بمعنى أنها مصنوعة متواضع عليها بين المشتغلين بالنقد.. فمن الصعب الاتفاق على مجموعة نقاد لتقديم المبدعين.. لم يزل الإبداع الأدبي سابقا لطرائق النقد بخطوات كبيرة.. ما عرفنا شاعرا متفردا أو روائيا أو قاصا إلا وأنكر تأثير النقد على فنه الإبداعي. تمارسه النخبة الدكتور ولد متالي لمرابط احمد محمدو، أستاذ بقسم اللغة العربية بجامعة حائل يقول: أعتقد ان سبب غياب الاهتمام بالنقد الأدبي لدى كثير من الأندية الأدبية هو عدم جماهيرية النقد الأدبي، باعتباره علما يمارسه النخبة والمتخصصون، فيما تجنح الأندية الأدبية الى إقامة الأماسي الأدبية والثقافية لما تجده من صدى جاذب للمتلقي، وتكتفي في الغالب في مجال خدمة النقد الأدبي بإصدار بعض الدراسات والبحوث الأكاديمية المنجزة في نطاق دراسة النصوص، كما يعود جزء من خفوت صوت النقاد في كثير من الأندية الأدبية الى هيمنة الأصوات الإبداعية والثقافية على هذه الأندية، وانزواء كثير ممن يحترفون الكتابة النقدية في أروقة الجامعات، واتجاه بعضهم الى زوايا الصحافة للتعبير عن خواطره السريعة حول النصوص ورؤيته للأدب والكتابة. ودون ان نوغل في التعميم، لا بد ان نقول إن هناك بعض الأندية الأدبية التي لديها اهتمامات رائدة في مجال الدرس النقدي، وقد أصدرت مجموعة من الأعمال الأصيلة في هذا السياق، كما في نوادي الرياض والطائف وحائل. إبداع مواز وقريبا من ذلك يؤكد الدكتور ابراهيم السيد ان السبب في هذا يكمن في أن النقد ليس مثل الإبداع الفني في التلقي، فالأدب له جمهوره الكبير بخلاف النقد الذي تهتم به شريحة النقاد والباحثين، ويضيف: وأنا أشبه الأدب في سرعة انتشاره وشيوعه بالمثل أو الحكمة التي تسري في أوصال المجتمع. أما النقد فهو بضاعة كاسدة لدى جمهور المتلقين الذين يعنون بالامتاع الأدبي أكثر من النقد، وهم شريحة كبيرة في المجتمع، وتأتي مثل هذه الملتقيات النقدية كملتقى نادي الرياض الأدبي لتحاول إقامة جسور التواصل مع هذه الشريحة محاولة إقناعهم بأن هناك إبداعا موازيا للإبداع الفني، وهو ذلك النقد الذي يعد كشافا يضيء طريق السالكين في دروب الأدب وأزقته. فهم خاطئ ويقول الأديب سلطان الخرعان: تعود قلة المنتديات والجماعات النقدية في الأندية الأدبية -في نظري- إلى عدة عوامل أهمها: * قلة المهتمين بالنقد الأدبي والمتخصصين فيه. * انشغال أغلب تلك القلة بمتابعة الحراك الأدبي خارج أسوار الأندية الأدبية التي تحكمها لوائح منظِمة قد تعيق عمل الناقد. * كما أن بعض متلقي النقد لا يستوعب أن النقد موجه إلى النص دون الكاتب، مما قد يسبب إشكالات للنادي والناقد. * كما يُعد عامل الحساسية المفرطة من النقد من أهم عوامل الخوف منه، وعدم اهتمام الكتاب -لا سيما- الشباب به وتواصلهم مع النقاد مما جعل سوقه غير مورودة. تطبيق نظريات ويرى الدكتور حسين الحربي أن الشعر والقصة هما نتاج إبداع وهما سابقان للنقد.. والنقد نتاج احتراف، ومناهج نقدية، ولا يعني هذا أنه ليس في النقد إبداع. أيضا الأندية الأدبية اعتادت أن تعقد أمسيات أدبية إبداعية، يكون النقد فيها خجولا عادة يتمثل في تعليقات الحضور من الهواة غالبا، فلو ان النوادي الأدبية أعلنت عن أمسيات نقدية صرفة تتناول بعض النصوص الأدبية التي طرحت على الساحة.. خلو النشاطات الأدبية من النقد مرده إلى عدم تأسيس قسم يختص بالنقد في الأندية الأدبية أولا وعدم تشجيع النقاد من قبل النوادي الأدبية، وإشعارهم بأنهم مهمون تماما كمبدعي النصوص. لذا وجب على النوادي الأدبية الإعلان عن أمسيات نقدية وتشجيع النقاد على إحياء أمسيات نقدية.