هل هناك نقد؟. هل كان ملتقى النقد الأدبي،الدورة الثانية تحت عنوان: "الخطاب النقدي المعاصر في المملكة العربية السعودية" الذي أقيم في فندق قصر الرياض خلال ثلاثة أيام وثماني جلسات 24- 26ربيع الأول 1429ه الموافق 1- 3أبريل 2008م، يجيب على سؤال: هل هناك نقد؟ وكيف أراد أن يجيب هذا الملتقى؟، ولمن توجه هذا الملتقى؟، وما هي الأجناس الأدبية والاتجاهات النقدية التي تناولها وكيفية اشتغال (نقد النقد) عليها؟ كلها أسئلة لا بد أن تكون إجابتها جلسات الملتقى. ولكن هل أجاب. لا ندري. السؤال الوحيد الذي يجب أن نسأله: من الذي يستطيع النقد ونقد النقد؟. إن نظرة شاملة لكل الثلاثين باحثاً وباحثة تكشف لنا أزمة فهم وظيفة النقد بين النتائج والوسيلة، وأكثر من هذا الخلط بين شخصية باحث في تاريخ النظرية النقدية والأدبية، ودارس للاتجاهات والمدارس النقدية، والمثقف بتطورات الحركات النقدية بأبعادها المختلفة إيديولوجياً واجتماعياً وثقافياً قبل أن تكون أدبية بين نقد سردي ونقد شعري، ومنها نقد النقد.. وإذا ذكرنا أن الكتب ذات النظرية النقدية بمناهجها المختلفة قليلة في سياقنا الثقافي والاجتماعي: خواطر مصرحة - 1926لمحمد حسن عوَّاد أو هذي هي الأغلال - 1946لعبد الله القصيمي أو التيارات الأدبية في الجزيرة العربية - 1958لعبد الله عبد الجبار، وما تبقى كتب تاريخ وربما كتب نظريات نقد مستوردة مثلما تطور لاحقاً ثمانينيات القرن الميلادي الماضي وصار جرح بين نقد (يستقرئ) الإنتاج الأدبي والأنساق الثقافية والاجتماعية، وبين كتابة على كتابة (تدعي) النقد مستوردة (أو مستعارة) وربما هاربة بالنظرية لتجرح بالسكين قلب الأدب والفن! فهل هناك نقد؟. نعم ربما انتشر في الآونة الأخيرة، وبشكل مجاني ومسرف، الكثير من الكتب ذات الجذور المضحكة بين رسائل الجامعات المولودة ميتة على شهاداتها ومناصبها، وبعض ما يجمعه من تروُّج له (أو لها) الصحف صفة(ناقد أو ناقدة). وهذه تبقى ظاهرة وإنما لا نجد ثماراً. لا زالت كتب الأدب بعيدة بأمر الرقابة. والنقد بعيداً بأمر مخاضات اجتماعية وثقافية معطلة. فهل من نقد؟. ادعى الملتقى وضوح محاوره ذات العناوين الفضفاضة، وبالدرجة الأولى اللجنة التحضيرية، فوضعت مواضيع الملتقى: النقاد المعاصرون، ومدارس النقد واتجاهات النقد، والنقد الأكاديمي (النقد الميت)، ودور الصحافة في النقد، والمعارك النقدية، والمؤلفات النقدية المهاجرة، خاصة أن الملتقى الأول شابته الارتجالية وغموض المفهوم، وهذا يتعدى أن ننتظره من مثل هذا الملتقى، ويكن أن يدعي هذا الملتقى أن يحمل هم تاريخ النقد واتجاهات ونظرياته من خلال مجموعة من الأوراق محكومة بشروط -غير ثقافية - ومحبوسة في معيار - وربما محدودية مقدرة الأكاديمي الذي تغطي عيوبه مؤسساتياً كل ما يتوهم أن يكون منه إيجابياً، وعيوبه معروفة على النطاق الإداري والعلمي من قولبته الذهنية في التراتبية الوظيفية (مشارك - مساعد!)، وانشغاله في تجربة التعليم والبحث العلمي بالخطأ والتصحيح (لا الصح)، والانغلاق تاريخ المعرفة ماضياً، والابتعاد (أو غياب الذهن) عن الانخراط في الهم الاجتماعي والثقافي..إلخ. وبرغم الحضور الكثيف الذي كان في افتتاح أولى جلسات حيث بذل كل من سعد البازعي وأميمة الخميس في إلقاء كلمات تكشف تجربة الكتابة عند كل واحد دون أن تقهر المناسبة لمجانية الكلام ولحظيته إلا أن ذلك الحضور الذي جاء مشغولاً بجدول مكتظ بالأوراق التي ربما فاضت على المحاور فيما تجوهلت محاور وأعيد الكرة في محاور بليت، ومنها ما انشغل بمحاور الملتقى السابق.. وحين لم يرق موضوع ورقة حسن الهويمل ذات العنوان الادعائي: "تحولات مركز الكون النقدي وأثرها في المشهد المحلي".، ولم تتعد طروحاته الجامدة في موقفه السلبي من الغرب كونه الشر، ومنح الشر هبة إلى الآخرين جاءت ورقة محمد الربيع باهتة، وكان عنوانها: دوريات الأندية الأدبية وأثرها في مسيرة النقد الأدبي في المملكة: دورية قوافل نموذجاً، في طرحها حيال مجلة قوافل حين تشعب ولم يركز على موضوع معين وإنما ظل على التساؤلات الكثيرة بدورها في مناهج نقدية، قضايا نقدية، معارك نقدية، مصطلحات نقدية، نقد النقد. وانشغلت ورقة التونسي حمادي صمود في طروحات الآخر بعنوان: نقد على نقد: قراءة في بعض تجارب النقد المعاصر في المملكة العربية السعودية، وتمرير (تذميم) لاستيراد النظرية والمنهج، والهوس بالإجراءات ذات الجروحات على الأدب شعره وسرده ممثلاً بأسماء عدة وركز على طروحات البازعي النقدية، وغاب صمود مع الجاحظ وأرسطو فكأنما انقطع زمنه! من يبيع النقد؟ من يشتري النقد؟ وتتوالى الجلسات في اليوم التالي حين تتصادم (أو تتكسَّر) تلك المحاور التي بدت غائبة عن الأوراق حين تطرح ورقة كاملة على كتاب لم يصنف داخل الكتب النقدية مثل ورقة محمد بنعزور وعنوانها: "المقولات النقدية في كتاب" القيم الخلقية في الرواية السعودية "لعبد الملك آل الشيخ". وتكشف الورقة التالية أزمة المفهوم النقدي عند الشخصية الأكاديمية حين تشتغل على المشهد الثقافي من خارجه! حيث تقدم أميرة الزهراني ورقتها: "النقد المحلي المعاصر مداناً من الروائيين". لتناقش هذه الورقة قضية إدانة الروائيين (الروائيون الجدد على وجه الخصوص) للنقد المحلي المعاصر حيث الإهمال المؤسف الذي تلقاه أعمالهم الروائية، وهل من سؤال حول أساليب السرد وجماليته (لا تقول الورقة أي شيء!) وترى أن هؤلاء الروائيين يحملون النقد المحلي مسؤولية تنامي الرديء من الأعمال الروائية السعودية للشباب خاصة ؛ لأنهم يفتقدون على حد زعمهم لمن ينتقدهم على النحو السليم، ويلمحون إلى انغماس النقاد المحليين على النظريات الفنية الأجنبية المستوردة والاستشهاد خلال تطبيق النظرية بأعمال كتاب عالميين، وإذا ما التفتوا إلى أعمال الكتاب السعوديين لم يتجاوزوا طريقة التحليل البسيط للخطاب الاجتماعي الذي تقدمه الرواية ولا يرهق بالكشف عن الجماليات الفنية. ولا يتضح الموقف من الرواية، وليس جيدها من رديئها فقط. كذلك السؤال عن هذا الأكاديمي بصفة ناقد حين ينتظر منه مالا يجيء أبداً! بنات الرياض لا تنتهي! وينشغل بحثان لحسين المناصرة وميساء خواجا عن رواية:بنات الرياض، وذات الموضوع حول تلقيها. تلك الرواية التي أهاجت المشهد الاجتماعي لا الثقافي طيلة تأجل منعها، وحين فسحت وتوفرت رقدت ويدعي هذان البحثان قول ما لا يقال. فيما لا نرى أية نقد حيال إنتاج سردي رصين عند أميمة الخميس وعبده خال ورجاء عالم وعواض العصيمي وبدرية البشر وليلى الجهني. وتتدرج عملية التباين في الأوراق في تذبذب مستواها عبى صعيد احتباس المفهوم واعتساف الرؤية مثلما نرى في محاولة صالح رمضان بورقته: "تحليل النص الشعري في الخطاب النقدي السعودي: إشكاليات نظرية". حين يسعى البحث إلى إثارة القضايا النظرية المتصلة بنقل مناهج تحليل النص الشعري وإلى مساءلة الخطاب النقدي من جهة استعمال المفاهيم والمصطلحات، ومن جهة الانسجام الفكري بين مختلف الدراسات باعتماد نماذج من الدراسات الصادرة في العقد الأخير.كذلك عنوان ورقة عبد الله المعيقل: "محمد الشنطي ونقد الشعر السعودي". الذي يركز على نقاد المدارس الذي يتعدى النقد (التعليمي) والجاهز في أحكامه وموقفه الديماغوجي من حركة الشعر السعودي بين اختزالات تجربة الوعي، والتطور الشكلي، وتنوع المضمون وحصر القضايا! فيما تنطلق ورقة إلى أفق بعيد جغرافياً، ولكن تكرر الخروج (أو التجديف!) على محاور الملتقى عنوان البحث: "وجهة نظر مصرية في الشعر السعودي".للباحث: أحمد صبرة. أشيع داخل أروقة القاعة بأن بعض البحوث لم تكتب حتى يوم إلقائها، خاصة، ورغم أنه تم اشتراط جهوزيتها، للحفظ في كتاب الملتقى، ومنها ورقة صالح الغامدي: "نقد السيرة الذاتية في المملكة العربية السعودية". التي تحاول هذه الورقة رصد حركة نقد السيرة الذاتية في المملكة العربية السعودية منذ عام 1400ه/1980م، وتتبع مراحل نموه. كما تحاول تقديم تقويم شامل لأبرز المناهج النقدية التي تبناها النقاد في دراساتهم، وتلمس مدى تأثير ذلك كله في فن السيرة الذاتية نفسه. فيما توحي أنها شردت من محور ملتقى النص بجدة الذي سبق الملتقى النقدي في الرياض! ويلفت في الملتقى مشاركة وحيدة للشاعرة والكاتبة هدى الدغفق بورقة تكمل مسيرة تطور النظرة الأدبية، وهذا ما يعجز عنه نقاد النظرية الشكلية (البلاغية والخطابية) من خلال طرح موضوع حساس ابتلعته مواضيع أوراق الملتقى البعيدة عن صورة النقد المنتظر، وكان عنوانها: "موقف المؤسسات المحلية من إبداع التسعينات". وطرحت الورقة المواقف العامة لبعض المؤسسات المحلية من الثقافة والفكر والإبداع الأدبي في مرحلة التسعينات وتحليل تأثير ذلك في فكر وشخصية المثقف السعودي وإبداعه وترتيبها بحسب أهميتها بالنسبة للمثقف وموقف المؤسسات الثقافية والتربوية والتعليمية والفكرية والاجتماعية من الإبداع والثقافة السعودية بشكل عام والعكس في مرحلة التسعينات وأثر ذلك في إبداع جيل التسعينات. ومما يلفت أنه في المؤتمر الصحفي السابق للملتقى أثارت الأستاذة الصحفية أسماء العبودي عن ملاحظة ساخرة عن وجود ورقة عن رواية: جروح الذاكرة، لتركي الحمد بينما الرواية ممنوعة رقابياً في المكتبات! ولعل محاولة محمد ثابت في هذه الورقة توقفت عند النقد في داخل الرواية، وهو ما يوحي بإبطال العملية الإبداعية للنص ورجمه إلى منطقة الحجر في قراءة غريبة!. أزمة ضياء النثر أم الشعر؟ وتدخل بعض الأوراق في مأزق المواضيع الضيقة وربما الخارجة عن المحاور المحددة في الملتقى بقدر ما يؤمل أن يكون هذا الاختراق إيجابياً ولكنه يجنح إلى تطرف سلبي وهذا ما بان في أوراق تاهت بين قراءة النقد الانطباعي - هكذا تسميته وغير ما يعرف!- عند الكاتب الصحفي علي العمير، لحمد السويلم، وهناك ورقة محمد الحارثي عن مفهوم الزمن وتطوره عند نقد عزيز ضياء.. وتعاني ورقة من أزمة فكرته وأسلوبه عند باحث ناشئ بدر المقبل عنوان ورقته: "قراءة في معالم الخطاب النقدي لدى عبدالفتاح أبو مدين". لبدر المقبل. وإذا كانت تلبي بشكل واجب مدرسي بعض الأوراق مثل ورقة: "واقع النقد الأدبي في صحافتنا الأدبية". لعبدالله ثقفان، فإن ورقة عبد الله الوشمي: "البحث عن التيار: ملامح الاتجاه النقدي في صحيفة القصيم". تحاول أن تنقب في صحيفة القصيم (زمن صحافة الأفراد) وأثرها المنسي ولكنه -بحسب الوشمي- فاعل في مسيرة الخطاب النقدي، وتجيء صحيفة القصيم محركاً للنقد. وهي تتناول هذا الموضوع من خلال المحاور متعددة تجميعية: هويّة الصحيفة، الاستقبال الثقافي للصحيفة، الكتاب، الأسماء المستعارة، الحركة النقدية، منهج النقد، التعريف بالكتب، نقد الأجناس الأدبية، التعقيبات النقدية، الحوارات الأدبية، النقد الساخر. الغذامي يحضر لا يحضر! جلسة كاملة عن الناقد عبد الله الغذامي. عن أطروحاته وكتبه. الهدلق يبحث عن التراث في كتاب: الخطيئة والتكفير - 1985للغذامي، وبادعاء ساذج يتناول سعد أبو الرضا كتابه: المرأة واللغة.ومحمد عمار يعود لذات فكرة ورقة الهدلق قراءة كتاب الغذامي: "الخطيئة والتكفيرة" مرة أخرى مع حمزة شحاتة! ويحاول باحث آخر الولوج في قراءة لكتاب: النقد الثقافي للغذامي، وتشي كل تلك الأوراق أن تكون مراجعات للكتب لا مداخلات وطرح رؤى بل اكتشافات مفاجئة! أوراق كثيرة.أصوات تعلو. حضور يتناقص. المطبوعات نفدت. بعض يتململ. من يذهب إلى ملتقيات النقد. طلاب الدراسات العليا حضروا أول الأيام. وهل سينتفعون شيئاً غير المجاملة لمدرسيهم العالقة رسائلهم وشهاداتهم بحبر أقلامهم! صحافة تأتي. وصحافة تغيب. كاميرا تدار. حضور على شكل مستطيل. أيام سريعة. وأوراق طويلة. هل من نقد؟. تسأل الأروقة: هل من نقد؟. نفقد أسماء. نعم فقدناها. ربما بعد عامين ملتقى آخر. كان الأول عن الخطاب المبكر والثاني عن المعاصر. كأنهم هم وانزاح عن كاهل اللجنة التحضيرية. ماذا بقي؟. لماذا نسأل؟. هل من نقد؟. على غياب (أو تغييب) أسماء نقدية مهمة على مستوى الرؤية والإنتاج مثل: محمد العباس وفاطمة الوهيبي ومحمد الحرز..، وتجاهل أسماء شابة (وربما أخفي) عنها خبر الملتقى، مقابل مجيء الأوراق على مقاس (مسطرة) المحاور التي لا تعد محاور ملزمة، فالناقد لا ينتظر من يفرض أمراً على رؤيته الخاصة ووعيه الفردي، ولا مادة نقده إلا أن الملتقى قام وسينتهي في كتاب..