بعد أيام على عودة المستشرق الدبلوماسي الهولندي مارسيل (مرسال الشمري) سنة 1988م بعد عودته من حائل وزيارته لبعض مدنها وبواديها بحثا عن الشعر والشعراء واستكشاف حياة البادية تحدث مع فهد العلي العريفي رحمه الله مدير مؤسسة اليمامة للصحافة والنشر والذي قال عنه: فهد العريفي وهو من أكثر أفراد شمر ثقافة. لفتت انتباهي مقالة صحافية بقلمه أطرى فيها المستشرقين الغربيين السابقين والحاليين على مساهمتهم التي لا تعوض في معرفة تاريخ الجزيرة العربية وثقافتها: موسيل، داوتي، يوتنغ، هوبر، وسائر المستشرقين الاخرين اوربيين وغيرهم وفي المقالة نفسها حمل العريفي بشدة على السعوديين الذين يعارضون لأسباب أيديلوجية البحث في الادب الشعبي والشعر المنظوم باللهجات المحلية. إذ ينكر هؤلاء ذلك الماضي لأنه على ما يفترض يقف حائلا دون توحيد البلاد والعالم العربي بمساعدة العربية الفصحى وتحت راية القرآن الكريم ولأنه كما يُزعم يلهي عن الإسلام. (الكثير من هذا الشعر وثق لتاريخ المملكة وللمجتمع السعودي). لم يكتب فهد ذلك بالحرف الواحد ولكن بالإمكان قراءته بين السطور: احتجاج على الامتناع عن السماح بمناظرة حرة حول هوية الامه الحقيقية خشية تقويض العقائد الجامدة السائدة. وفي المنطقة الرمادية بين التسامح والتحريم، فإن كل قبيلة سعودية تعتز بشعرها بوصفه ديوانها الحي الذي يسجل ما هو في الوقت الحاضر ماض حقيقي مهما بلغت مكافحة ذلك مكافحة مستميته بمحاجات مثل: كلنا واحد الآن وعجرفة بعض القبائل كسرت الى الأبد وبتنا موحدون تحت راية واحدة وفي دعوة عربية إسلامية جديدة. سأل مارسيل فهد العريفي عن رقابة الدولة على نشر بعض القصائد والدواوين الشعبية فأوضح له ان الحكومة تريد وئاما وهدوءاً وسلاما اجتماعيا وهي تعرف أن هناك تحت السطح غليانا من التعصب الديني والعصبية القبلية ومشاعر مريرة لا تجد لها متنفسا في الحاضر المحروس بعيون ساهرة. ولهذا السبب حاولت هذه المشاعر أن تكتسب الطابع شبه الموضوعي للماضي. مضيفا: لكن الدولة السعودية وحدها تملك أن تقول رأيها في هذا الشأن. وبخلاف الاتحاد السوفيتي السابق، فإن هذا لا يحدث من خلال مشروع يدار مركزيا لتزوير التاريخ. فهو يعمل في العربية السعودية بطريقة اكثر وضوحا إذ يجري ببساطة التستر على كل المعلومات التي لا تتفق مع الصورة المثالية ولكن من سمات الأسلوب السياسي الذي تتبعه الرياض إبداء قدر من الذكاء في هذا المضمار في بعض الحالات أيضا فالأشخاص الذين لا يتخطون الحد المرسوم يستطيعون أن ينشروا ما يعرفونه في الخارج وهذه الإجراءات الوقائية التي تتخذها الحكومة تفرض من دون سبب للحفاظ على سلامة المجتمع واللحمة الوطنية لأن هناك حالة مسجلة كاد فيها حتى النشر في الخارج أن يؤدي الى حرب قبلية بين اثنتين من أكبر قبائل الجزيرة العربية. وهذا مالا تريده الدولة وتتحاشاه حتى يسود الحب والتآخي بين المجتمع. ذكر ان طريقة النشر تجري عبر خطوات سهلة فكل من يريد أن ينشر كتابا يأخذ مخطوطته أولا الى وزارة الاعلام وهناك يفحص الكتاب بحثا عن أي تجاوزات تمس المجتمع او لحمته الوطنية او أي إشارات دينية او أخلاقية غير مقبولة وكل ما يخدش الحياء. يعاد بعدها الى المؤلف مصحوبا بتعليق إذا اقتضت الحاجة. الصفحات التي لا اعتراض عليها تعطى ختما خاصا ويسمح لها بالانتقال الى المطبعة. لكن السعوديون أصبحوا على مستوى من الوعي بحيث أصبحوا قادرين على تمييز ما يحفظ لهم أمن البلد والمجتمع واغلبهم متمذهبون الان مذهبة جيدة بحيث انهم صاروا يسهلون على الوزارة عملها من خلال تطبيق رقابة ذاتية على أنفسهم والبعد عن كل ما يسبب شرخا في المجتمع او امن البلد او يمس الدين او العرض او يثير النعرات او يخل بالآداب العامة. ويضيف ان التعليق النقدي الذي تبديه سلطات الرقابة في السعودية لا تكون عواقبه غير سارة فعلى النقيض من أنظمة دكتاتورية عربية دموية لا يمارس في السعودية في مثل هذه الحالات ترويع او عنف جسدي والمشاكس العنيد يواجه بكل بساطة خطر بقاء أبواب معينة مغلقة في وجهه. ويختم مرسال الى ان تزايد الوعي السياسي الذي تحقق من خلال التعليم الشامل جعل من المواطن السعودي نموذجا يعرف قبل المسئول كيف يحافظ على أمن وسلامة بلاده ومجتمعه.. إنه باختصار التقدم.. وكما لو كانت معجزة يبدو أن بعض الشعراء القدماء أفلتوا مع ذلك من الرقابة.. ويصح هذا مثلاً على نشر عمل حميدان الشويعر مؤخرا. وقد اعتبر الشويعر شاعر هجائي مرير وسوداوي عاش بداية القرن الثامن عشر في قرية من قرى اكواخ الطين بين الرياض والقصيم كما اعتبر قصيدته التي أوردها كاملة: مانع خيال في الدكة وظفر في راس المقصورة من القصائد التي احتوت ابياتا خادشه وابيات أخرى للشاعر لا بد ان تثير حفيظة العجائز اللواتي يستطعن نزع الحجاب ويتحركن بحرية في مجتمع الرجال. فهد العلي العريفي رحمه الله موسيل داوتي هوبر