ارتبط مفهوم الثراء منذ القدم بالمال والرفاهية المادية، تبعاً للنظر البشرية الموضوعية ومن ثّم الاكتفاء والإغداق بما يكفل العيش الرغيد للإنسان، ولكن ماذا لو أدرنا البوصلة إلى جهة أخرى مختلفة، توفر للفرد منهجية حياة منعمة الوجود ومريحة المقام. ماذا لو كان عقلك ثرياً؟ شغوفاً بالعلم، هائماً بالمعرفة تراه يتطلع إلى كل حديث في مختلف العلوم، معتزلاً صومعة الجهل وكهوف الظلام القديمة على شاكلة غيره، إن أعظم استثمار تقدمه لنفسك عزيزي القارئ هو في عقلك لتدرك حينها أين تضع نفسك في المجالس وفي المواقف وفي وجه الأقدار. وذلك بأن تحرص على تنوع مصادر دخلك المعلوماتي من كافة الأقطاب المتنافرة لتكون متجاذبة أمام قوة وعيك، تطلعاً إلى غنائم كريمة تعود أثرها عليك بالنفع الذاتي والاجتماعي. فتحلق بأجنحة المستقبل بين حقول الأدب والتاريخ إلى مناجم الفلسفة والعلوم الحيوية، حينها لن ترضى بالثمن البخس لثروتك الذهنية ولن تقع تحت تأثير أي محرض اجتماعي تليد يمنعك من التقدم، إيماناً برسالتك العظيمة التي تحملها في طريقك للجلوس على القمة. (خلقت مُكَرّماً) حينها ستشيد درعاً حصيناً من تصدع الزمان وتقلب أحوال العباد، واندفاع رياح الدهر؛ لأنك أدركت معنى الحياة ومفهومها، فتراك تزهر مهما أجدبت أرضك، وتشرق للزمان مهما طالت دياجير شدائدك، بعيداً كل البعد عن تضخيم الأحداث أو تشويه الوقائع، تجملك المنطقية والموضوعية، وتنسلخ العواطف أمام بصيرتك اليقظة، ما زال للوقت متسع في بناء هذا القصر المعرفي المشيد، الذي لا يحدده عمر معين ولا مكان مختلف بل رحلة ثقافية لا نهاية لها. وكما قال أبو الطيب المتنبي: أَعَزُّ مَكَانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سَابِحٍ وَخَيْرُ جَلِيْسٍ في الزَّمانِ كِتاب