المتتبع لتاريخ تطور الإنسان عبر الأزمنة يلاحظ ميل البشرية الأزلي لتكوين الجماعات والكيانات المتنوعة ورغبة الإنسان المستمرة في أن يكون على رأس هذه الكيانات ليمارس دور القائد والمسيطر على أبناء جنسه، وكانت هذه الغريزة قديماً تميل للوحشية والعنف واستخدام الأساليب القاسية لإخضاع الآخرين. ولكن ما إن تطورت الحياة وازداد التنوع الحضاري على الكوكب وتعددت وسائل التواصل لدى البشر حتى بدأ الإنسان بتهذيب هذه الغريزة وتحسينها حتى يستطيع كسب أكبر قدر ممكن من المؤيدين والحلفاء، ومن هنا بدأ مفهوم القيادة ينحني منحنى جديداً بعيداً عن الغريزة الحيوانية القاسية التي كانت موجودة في العصور القديمة. تختلف التعاريف القيادية في تحديد هوية القائد الناجح ومواصفاته ولكنها تتفق غالباً في مجموعة كبيرة من الصفات التي تشترك مع الرغبات والصفات الإيجابية المتعارف عليها عند البشر. ولعل أبرز هذه الصفات التي يجب أن تتوفر في القائد الناجح هي: التواصل الجيد والفعال مع الآخرين، حيث يجب أن يمتلك القدرة على التواصل الفعال مع فريق عمله وإيصال الفكرة والتوجيهات بشكل واضح وميسر، والقدرة على بناء فريق عمل جيد وتحديد المسؤوليات والمهارات المطلوبة من كل عضو في المجموعة حتى يتسنى له تكوين فريق قوي قادر على إنجاز المهام بحرفية وجودة عالية. ومن الصفات المهمة التي يجب أن تتوفر: الثقة بالنفس، التي تعتمد على معطياته وفريق عمله في إنجاح المهام المطلوبة منهم، وأن يتحلى بروح الإيجابية والتفاؤل والدعابة لخلق أجواء إيجابية تساعد على تجاوز المعوقات ومواجهتها بروح متفائلة وواثقة. وحتى يستطيع القائد إيجاد هذه البيئة المنسجمة مع أفراد فريقه لا بد أن يتحلى بالتواضع، وأن يتقبل آراء الآخرين وانتقاداتهم خاصة إذا كانت من الفريق، ويتجاوز الأخطاء وتعديل السلوك دون مكابرة. ولعل من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها: الإنسانية، حيث يسود اعتقاد خاطئ أن القائد لا بد أن يكون قاسياً في التعامل مع مرؤوسيه، إلا أن الدراسات أثبتت أن الإداري الناجح ينبغي أن يراعي التواصل الإنساني ويحافظ على صحتهم النفسية ليتمكنوا من أداء عملهم على أكمل وجه ويخلق جواً من الألفة والمحبة. هذا الفن من التعامل لا بد من ممارسة أساسياته والتحلي بصفاته وأخلاقه، خاصة أنه يعتمد على التعامل مع النفوس البشرية على عكس الفنون الأخرى، فإذا استطعنا أن نملك مفاتيح قلوب الآخرين فإنه بمقدورنا قيادتهم بفاعلية ونجاح. *رئيس اللجنة الوطنية الخاصة للمجمعات الطبية