لم تكن الأحلام سوى وسيلة لاستمرار الحياة، لصنع الشغف، وللوصول إلى حياة أصيلة، قد يكون الطريق شاقًا ومجهدًا وشائكًا ولكن كل الأشياء الصعبة تتضاءل بفعل سعينا الجدي في الحياة، كل الأشياء تنمو ما لم نحرقها بالمقارنة وهي من أكبر الممارسات السامة التي تقتحم حياتنا وتلوثها، هي العادة البشعة التي تحجب عنَّا يسر الطريق، وتدخلنا في حروبٍ ذاتية وحروبٍ مجتمعية، وتشعرنا بأننا غير جيدين وغير متكافئين مع الآخرين، فعندما نقارن أنفسنا بغيرنا ندخل في دائرة واسعة من الفشل، فنحن بذلك نضع أحلامنا وخطواتنا وحياتنا تحت عدسةٍ ضيقة لمجهرٍ رديء، المقارنة تجعلنا في معادلة غير عادلة مع أنفسنا حيث تحجب عنا جهودنا وتجعلنا نعيش في سجن التقصير، فمهما كبرتْ نجاحاتنا لن نستطيع ملاحظتها أو ملاحظة جودة الحياة التي نعيشها، فالموازين لدينا مصابة بهوس الغير، خطواتنا معطلة بالمراقبة، أيامنا مفخخة بالتركيز على الآخرين، المقارنة تحرق النجاح وتعيق الطريق، وتقذف بنا في ضوضاء المشاعر السلبية، فكم من ناجح فقد ذاته واحترق شغفه بسبب السقوط في هذه الحفرة، وبالطبع لا ننكر أن هذه العادة الكاوية متوارثة في الكثير من مجتمعاتنا، ويزاولها الكبار والصغار دون وعي، فنجد المقارنة الذاتية مع الآخرين، ونجد مقارنة الآباء والأمهات والمعلمين والتي تفرزها عقولهم الجافة على الصغار بهدف التحفيز، وفي الحقيقة أنها سلوك غير صحي لأنها تسبب انتكاسات نفسية للفرد، وتفقده الإيمان بذاته وقدراته، ليكبر بكمية كافية من التشوهات الروحية. لو اكتفينا بأنفسنا وانجازاتنا دون وضعها في نِزال مع نجاحات من حولنا حتمًا سنجد محصولًا وفيرًا لذلك الجهد، وسنجد فسحة سماوية تتسع لأجنحتنا، خاصة أننا نراقب الظاهر فقط ولا نعلم ماذا خلف الكواليس، لا نعرف شيئًا عن الجزء الخفي الذي يعيشه من حولنا، فالسعادة البادية على السطح ليست مؤشرًا على الاكتمال، وليست دلالة على سلامة الطريق، نحن لا نعرف ماهي ظروف الآخرين ولا نعرف كمية الجهد المبذول لوصولهم ، لذا هي معادلة مجحفة، ولا يمكن من خلالها أن نرفع من قيمتنا ولا من وعي مجتمعاتنا، بل ستعيدنا إلى الوراء وستجعلنا دائمًا في محيطٍ بائس، وفي محاولاتٍ باهتة لسباق الزمن،ستسقط أعمارنا أثناء تعلقنا بمنافسة ملتهبة، وستمضي حياتنا في دوامة من القلق والتوتر والهشاشة النفسية. خلقنا الله وخلق لنا كل مقومات الحياة والبحث والوصول، منحنا المعرفة والقوة وقسَّم الأرزاق، لم يتبق لنا سوى السعي بإخلاص دون التلصص على الآخرين، دون إهدار الوقت في المقارنة، أو الحسرة على أقدارنا، مراقبة الذات وتقويمها وتحسينها كافية للنجاح وللسمو ولتحقيق أهدافنا والتحليق بأحلامنا بعيدًا عن وعثاء المقارنة.