قال لصاحبه وهو يحاوره: دع القلق فأجابه ليست المشكلة هنا بل هو الذي يدعني وشأني، فلم أدعه ولم أستقبله أو أشاوره، هذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك ضرورة استبعاد أسباب القلق لإبعاده وعدم استقباله، فهو ينفذ من خلال المشاعر بدون استئذان، فحماية حدودك تكمن في مسؤوليتك تجاه إخلاصك لربك والمصالحة مع قلبك من خلال تهذيب النفس، وهو فن يجيده الأسوياء لشحذ الاستقامة في الفكر والسلوك ولنيل رضا رب العباد، إرادة تهذيب النفس فن يجيده الكرماء ويلتزم به الشرفاء، فإذا اقترن الإخلاص في القول والعمل فإنه يلقي بظلاله الوارفة لتشمل القيم النبيلة بطيب النية وحسن الطوية ونقاء السريرة ويتيح مساحة رحبة للتسامح مع النفس ومع الآخرين، الأدوات المتاحة للشيطان وأعوانه يلعب بها جيداً ويسخرها في التعكير وزرع الشكوك في القلوب كجسر بائس تحفه الظلمات من كل حدب وصوب لتفصل المؤمن عن إدراكه المستنير، حينئذ يضرب القلق بأطنابه ولا يلبث أن ينشر أشرعته الكئيبة ويجثم على الأفئدة حينما تتكئ المشاعر على المعاناة التي تفرزها مضخة الكره الجاثمة على القلوب التي في الصدور، الحقد وقود القلق لأنه عدو الطمأنينة والسكينة والاستقرار المعنوي، وبالتالي فإنه يحتل مساحات في القلب ليست له ولا يستحقها بل يزرعها إثماً وخطيئة من خلال بث كم هائل من الهواجس المؤذية للنفس مفضياً ذلك إلى اختلال في التوازن الفكري والنفسي على حد سواء، ناهيك عن الحسد محرق الحسنات وجالب السيئات، فكر في اللحظة التأملية قبل القرار واقطع دابر المتعة الهلامية الآثمة وهي ربما جزء من الثانية ولكنها ستجر عليك ساعات وأياماً من القلق والأرق وتأنيب الضمير لأن قلبك سيحمل أثرها ووزرها، فطالما أن المرء يخلص النية ويبتعد عن الإساءة إلى الخلق فلمَ القلق؟ ولكي تكون في مأمن من القلق كن صادقاً ومخلصاً في قولك وعملك فإن الحق تبارك وتعالى لا يكلف النفس ما لا تطيق، فمفتاح السعادة الرفق ومراعاة مشاعر الآخرين فضلاً عن أبرز جالب للسعادة وحلاوة الروح إنه جبر للخواطر وجالب للسكينة والاطمئنان، حينما يقود الضمير اليقظ المشاريع الخيرة وتفيض شرايينه في الوجدان نبلاً من خلال إشاعة مساحات مقدرة للحب والود والانسجام والسلام، تلك خصائص الاتزان المؤدي إلى الهدوء والسكينة، في حين أن الإحساس الذي يفيض وداً ورحمة جدير بالاحترام والوقار وهو فن يجسده الشرفاء ويتمتع به الأسوياء حينما يرتفع منسوب التصور الجميل خلقاً رفيعاً يعكس الرقي وسمو النفس، لذلك تجد أعمدة الخير الباسقة والمفعمة بالنبل والصفاء وحسن النية تعين على الخير وفعله وتدمدم الجراح، إذ لا تفتأ أن تترجم الرقي في السلوك في إطار منظومة أخلاقية تحفها الفضيلة من كل جانب، وحينما يقال إن فلاناً رمز للشهامة لا تبرح كلمة "وأنعم" أن تكون سباقة في سيرته ليجد عمل الخير وانعكاسه الإيجابي على قرارة نفسه أينما حل وارتحل، وهذا لعمري هو الاطمئنان الذي يتوق إلى نيله كل ذي لب وبصيرة وبالتالي فإنه أغلق المساحات الموجعة للقلب وبسطها ليستثمرها الخير في تحقيق الأرباح المتتالية في الدنيا والآخرة والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً، إن الهين اللين البسيط هو من يتوشح برداء المروءة والسؤدد مفعماً بالتواضع والرحمة ومثار اعتزاز وفخر كلما جادت النفس في كل ما من شأنه مراعاة مشاعر الناس، لا تحقد ولا تحسد ولا تغضب، ولن تقلق طالما تعاملت مع الأمور بإيجابية. قال الإمام الشافعي رحمه الله: حسن الظن من أفضل السجايا، وإنه من راحة البال وسلامة الدين، ومن حسُن ظنُه بالناس حاز منهم المحبة. وقال الشاعر: يفنى العباد ولا تَفنى صنَائِعُهم فَاختَرْ لِنَفسِكَ مَا يَحلُو بِهِ الأَثَر