لاشك أن مراعاة مشاعر الآخرين فن يجيده الشرفاء حينما يرتفع منسوب الإحساس الجميل ويفيض خلقاً رفيعاً يعكس رقياً في المستوى الفكري والثقافي والأخلاقي بعيداً عن كسر الخواطر، كل شيء يتكسر بل ويتهشم، فالصحون تتكسر والأطباق تتكسر والكؤوس والفناجين كذلك، بيد أن انكسار الخاطر يكون عادة بلاصوت ولا ضجيج أي أنه يتكسر ويتحطم في جوف من انكسر خاطره في حين أنه يحمل من الأذى المعنوي ما يفوق قيمة الأطباق والصحون وخلافها ، بمعنى أن مراعاة المشاعر يظل أمراً بالغ الأهمية لا سيما وأن لنا مع الانكسارات ألفة لدرجة أن وقعها على القلب لم يعد يحرك المشاعر ويستنهض الهمم إذ لا تبرح أن تعبر جسر النسيان لتقبع في ذاكرة التاريخ وخزة موجعة ، وغالباً ما يرتبط انكسار الخواطر بقسوة القلب في ظل غياب الأطر النبيلة المؤسسة للسلوك الإنساني ، فيما تلعب قسوة القلب أدواراً موغلة في القبح من حيث تكبيل المشاعر وبلورتها وفقاً للرعونة الناجمة جراء الارتخاء القيمي ، مسهماً هذا الارتخاء في تشكيل هذا النمط البائس التعيس ، لأن البؤس لا يلبث ملازماً لهذه الثقوب المنبثقة من هذا الشرخ لتحيل هذا الكيان الفارغ من الحب والود والحنان إلى مجرد شكل إنسان آلى على نفسه استمراء استفزاز الآخرين إمعاناً في أذيتهم حينما أفرغ وجدانه من محتويات تنبض بالحس الإنساني ، في حين أن ارتكاسه في ساديته وعنجهيته حال دون بلوغه الأجر طبقاً لانتفاء الدعاء له ، فضلاً عن الدعاء عليه والذي لا محالة سيصيب حسناته إن كان ثمة شيء منها ، عدا عن نظرة الناس وتقييمهم له ولعمله المرتبط حتماً بسمعته إذ إن طيب الفعل لا يفتأ أن يترجم الرقي في السلوك ويشكل منظومة أخلاقية تفيض نبلاً حينما يقال بأن فلاناً رمز للشهامة، ولا تبرح كلمة ( اونعم ) حاضرة في سيرته ليجد عمل الخير وانعكاسه الإيجابي على قرارة نفسه لتضفي عليه استقراراً نفسياً يتوق إلى كسبه كل ذي لب وبصيرة ، واثق يقيناً بأن مسألة الكسر الآنفة تمارس وبشكل يومي منها ما يكون مقصوداً، ومنها ما يتم عن غير قصد ، من هذا المنطلق يبيت التذكير للفئة الثانية غير القاصدة محورا ً رئيساً من خلال تأصيل مفاهيم الرحمة والود ، فجرح المشاعر يبقى في النفس مخلفاً وراءه تركة ثقيلة تنوء فحواها بأمراض نفسية ، قد لا يكون علاجها بالأمر اليسير سيما إذا استقرت في ذهن المتلقي . وفيما يخص الصنف الأول والذي يمارس التجريح وإلحاق الأذى عن سبق إصرار وترصد فهذا النموذج المخزي المريض لا يستحق الحبر الذي يكتب عنه فضلاً عن المساحة ، وهم في الواقع بحاجة إلى إعادة تأهيل لترميم التصدعات التي اجهزت على الأساسات أي أنهم سقطوا في أوحال الخطيئة وأفرز هذا السقوط أشكالاً مهترئة ، وفي مقابل ذلك تجد أعمدة الخير الباسقة والمطعمة بالنبل والصفاء وحسن النية ، تدمدم وتمسح وتجبر الكسور بالفعل الطيب والكلمة الحانية ، وحق لهؤلاء الشرفاء أن يقفوا مزهوين بحسن صنيعهم وحق علينا أن نكافئهم بالدعاء لهم والإشادة بهم ليس لأنهم يستحقون ذلك فحسب بل في تجسيدهم للسلوك السوي من خلال مآثر تعلو شامخة حين أمسى الخلق الكريم سمتهم البارزة مفضياً إلى الترفع عن الوقوع في الزلات ، وخصوصاً ما يتعلق منها بالمشاعر وتحاشي شرخها ، لأن مستواهم الحسي الرفيع أصبح متسقاً مع الفضيلة ولإدراكهم الكامل بأن طيب الحصاد يتمثل في سمو الأخلاق وترجمته واقعاً ملموساً ، بل إنها تمثل الوطنية الصادقة بكل ما تعنيه من تلاحم وترابط وتكافل وحب للوطن وساكنيه . إن المواطن الصالح الشهم انما هو انعكاس يتلألأ إشراقاً حينما يرتبط الانطباع بهذه القلوب المحبة كأنماط مشرفة تشي بالفخر والاعتزاز والأثر البالغ المترسخ بالنفوس وإذا كان الابن عنوان أبيه فإن المواطن عنوان وطنه من خلال تسطيره بصمات مضيئة تستشرف الأمانة وتبليغها للناس كافة عبر أطر سليمة يحفها الصفاء ويحتويها النقاء في المظهر والمخبر بالكلمة الرقيقة اللينة ، والرفق في التعامل ليترجم الإحسان كل هذه المعاني الجميلة ، وهذا هدف المسلم السامي وغايته النبيلة.