كلام الناس بإمكانه رفع مستوى السعادة لدى البعض، حيث إنه عامل رئيس في جودة الحياة وتحسين المستويات على جميع الصعد، ويقال في المثل "ديرة ما فيها ناس ما تنداس"، وقد يدفع الكلام باتجاه معاكس، إذ إن الأثر النفسي الذي يخلفه كالاستفزاز والتنمر والتقزيم والشماتة وما إلى ذلك تصيب المعنويات في مقتل متى ما سلط سيفه البتار، حينما تسلق الألسنة الحداد من يقع في قبضته، وتبخس من قدره، ووضعه بصيغ لا تمت لأخلاق المؤمن بصلة، وكلما تضاءل دور الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية مارس ذلك التضييق على مبدأ إتاحة الفرصة، وكان ذلك سببا للتنافر وتعكير الأجواء، وكأنهم لا يخطئون، ويفرض أحيانا كلام الناس بعض الأنماط السلوكية المرهقة كالتفاخر في اللبس ووسائل الحياة المختلفة، ناهيك عندما يرسخ الجهل قواعده البائسة السيئة، ويمعن التفاخر بالأنساب في بسط أشرعته الصدئة، ليتحول التمييز معول هدم يقوض الاستقرار الاجتماعي جراء فروقات وهمية خلفتها العادات السيئة والتقاليد البالية، والتي ما أنزل الله بها من سلطان، قال تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة"، ولا سبيل إلى مواجهة كلام الناس واتقاء آثاره الكئيبة المحزنة إلا من خلال نشر المعرفة والثقافة، والنهل من معين الأدب الذي لا ينضب، فهي العناصر التي يعول عليها في تقنينه وتهذيب صياغته ونيل شرف الامتثال للفضيلة، الكلمة الطيبة صدقة وترفع من جودة الحياة، النية السليمة تقود إلى جودة الحياة، تفعيل جانب البساطة في التعامل والرفق في التعاطي مع الأمور المختلفة تجسد روعة الحياة وتحلق بالروح نحو الآفاق الرحبة الفسيحة واستشراف المعاني النبيلة وأثرها المؤصل لديمومة الاستقرار النفسي ونتائجه الإيجابية المرتبطة بتحقيق الرخاء والاستقرار لا سيما ما يتعلق بالجانب المعنوي، ويندرج في إطار جودة الحياة مفهوم البساطة والتماس الأعذار وحسن النية، والتصويب بطريقة سلسة خالية من التعنيف والتجريح، في ترسيخ للطمأنينة التي يغشاها الوئام، وتحفها أجنحة المحبة والسلام، امتداداً لمسلك الآباء والأجداد على هذا المنوال الموغل في الصفاء والنقاء، وسيظل مشعا براقا بإذن الله مهما تسللت حمى المؤثرات في جنح الظلام، في حين أن السماحة بتواضعها الجميل الأخاذ وقدرتها الفنية المؤهلة لعبور القلوب بكل انسيابية ويسر تساهم وبشكل جلي في رفع منسوب الحس الجمعي البديع، ليفيض نبلا وسخاء عبر انسيابية عبور الخدمات المختلفة من جهة ومرونة قضاء المصالح من جهة أخرى، عنصر التكامل بهذا الخصوص فرس الرهان، فالبعض من الكل والكل هو أنا وأنت وعمي وخالي وصديقي وجاري، نعم بإمكاننا رفع مستوى السعادة متى ما كنا على قلب رجل واحد و"ربع تعاونوا ما ذلو"، إن غياب الكلام الجميل المعبر عن التداول من شأنه إبقاء المشاعر رهن الاحتباس المعنوي، وما أحوجنا إلى تداول العبارات التي تسهم في تخفيف التوتر والانفعال، وما أكثرها، فهي المداخل اللبقة في الحديث، وهي القوة الدافعة لضخ الاطمئنان للنفس، وبالتالي فإن حالة الاسترخاء المعنوي لا تلبث أن تحيل الواقع المتأزم المليء بالهموم إلى آفاق رحبة مليئة بالأمل والتفاؤل، المزح والضحك والابتسامة وجبر الخواطر واللين كلها وغيرها من الطباع الجميلة كفيلة بترطيب الأجواء وتلطيف القلوب، ولا يقف تأثير ذلك عند البحث عن الحلول برؤية واقعية متزنة فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى جلب المزيد من الفرص الداعمة لتحسين مستوى الأسر من جميع النواحي، وتأثير هذا الأمر إيجاباً في جو مفعم بالطمأنينة والسكينة، وتفعيل الطاقة الإيجابية على الوجه الأمثل كما يحب ربنا ويرضى، ولله الأمر من قبل ومن بعد.