ترتبط الرحلة في اللغة بالترحال والانتقال والسير والسياحة، بمعنى الضرب في الأرض والحركة بغية تحقيق هدف معين؛ لذلك نقول "رحل الرجل إذا سار، ورجل عالم بذلك مجيد له (...) والترحال والارتحال: الانتقال (...) وقال بعضهم الرحلة والارتحال، والرحلة الوجه الذي تأخذ فيه وتريده. وتقول: أنتم رحلتي، أي الذين أرتحل إليهم (...) الرحلة السفرة الواحدة. والرحيل اسم ارتحال القوم للمسير". (ابن منظور الإفريقي، لسان العرب (المجلد 5)، دار صادر، ص: 193) وعندما نقول "رحّالة" على وزن "فعّالة"، نلمس عمق معنى هذه الصيغة الصرفية التي تخفي أكثر مما تدل عليه؛ فالرحالة متوغل في السفر، مدرك لقيمته الحقيقية أيما إدراك، يعيشه بكل جوارحه، ويحياه في حله وترحاله. ويمكن النظر إلى الرحلة في الاصطلاح باعتبارها تأليفاً نستشف من خلاله "انطباعات المؤلِّف عن رحلته في بلاد مختلفة، وقد يتعرض فيها لوصف ما يراه من عادات وسلوك وأخلاق، ولتسجيل دقيق للمناظر الطبيعية..." (مجدي وهبة وكامل المهندس، معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب). فبالإضافة إلى كون الرحلة حركة وانتقالا، فهي تهتم أيضا بتسجيل الانطباعات الذاتية عن الآخر وعن الوسط الذي يعيش فيه. ورغم إيرادنا للتعريف أعلاه، إلا أن الباحثين اختلفوا في رسم حدود واضحة لمفهوم "الرحلة"؛ فهذا "محمد العميري" مثلاً – في مقاله "الكتابات الإنجليزية حول المغرب بين أدبية الرحلة وإيديولوجية الاستشراق"، ضمن مجلة المناهل المغربية، عدد: 66/ 67 - يرى أنها "حركة بين فضاءين جغرافيين (...). إن الرحلة نص مقارن تتقاطع فيه ثقافتان أو أكثر". لذلك فالرحلة تقع، بناء على هذا التعريف، في مفترق طرق تلتقي فيه ثقافة الرحالة بثقافة/ ات المرتحل إليه/ إليهم. وهو يركز على عنصرين اثنين: الرحلة بوصفها انتقالاً بين فضاءين من جهة أولى، وعلى الحمولة الثقافية المتنوعة التي تتضمنها الرحلة من جهة ثانية. وأما "سعيد بن سعيد العلوي" – في كتابه "أوروبا في مرآة الرحلة، صورة الآخر في أدب الرحلة المغربية المعاصرة"، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط - فيتجاوز هذه المعاني المباشرة للرحلة، ليؤكد أنها "إنباء عن ذهنية الرحالة وتصوير لمكونات الوعي الثقافي أكثر مما هي حديث عن البلد موضع المشاهدة أو إخبار عن القوم أهل البلد أو أهل الإقليم موضع الزيارة". فهي مرآة لوعي الرحالة ولمرجعيته الفكرية ولمختلف مكونات ثقافته. في حين، يميز "بول فوسيل" (Paul Fussel) - في كتابه Paul Fussell, British literary traveling between the wars - بين نمطين إدراكيين في الرحلة، أولهما فعلي وبعيد عن الأوهام؛ أي العالم المادي الملموس، وثانيهما خيالي، يتحول فيه الخاص إلى عام، والحقيقي إلى تصوري. ومن ثم، تجمع الرحلة بين الواقعي المتمثل في الوصف الحسي لمشاهدات الرحالة، والتسجيل التوثيقي لانطباعاته وارتساماته عن البلد المرتحل إليه، مع التزام الوفاء للواقع المعاين، وكذا المتخيل المرتبط بمخيلة الرحالة، وبطريقة تصوره للعالم، وبكل ما هو غير واقعي. بناء على ما سبق، تغذو إمكانية وضع تعريف تركيبي يجمع ما تفرق من خصوصيات الرحلة لدى الباحثين ممكناً، وتوحيدها في تصور يتلخص في أن الرحلة هي حركة وانتقال في الزمان والمكان بما يتيح رصداً مزدوجاً لوعي الرحالة وثقافته من جهة، ولصورة الآخر ومظاهر حضارته من جهة ثانية؛ ومن ثمة فهي تعد نصاً مفتوحاً تحط فيه ثقافة كل من الرحالة والمرتحل إليه/ إليهم رِحالها؛ فتمتزج الأصوات، واللغات، والمرجعيات... وتتحاور عبر مستويات مختلفة. إنها جنس يقع في منطقة وسطى بين الواقعي والمتخيَّل. * أستاذ مُبَرَّز للتربية والتكوين - المغرب نبيل موميد* بول فوسيل د. سعيد بن سعيد العلوي