قرأت كثيرًا عن مدينة الرياض في المجلات التي تُعنَى بالاستطلاعات المصورة، وسمعت عنها كثيرًا من الأصدقاء الذين زاروها أو أقاموا فيها، وكنت في كل مرةٍ أقرأ كلامًا جديدًا وأسمع أحاديث مختلفة، وكأن الذين يكتبون أو يتحدثون يصفون مدنًا عديدةً لا مدينةً واحدة، لكنني أدركت فيما بعد أن الرياض هي مدينة الألف وجه؛ كلَّ يومٍ برداء جميلٍ ورائع، تأبى الجمود والركود، ولا تقبل أن تبقى على حالةٍ واحدة، إنها متجددة دائمًا، وفي الوقت الذي تجد فيها ما يعود بك إلى أعماق التاريخ العربي القديم وآثاره التليدة، سوف تجد أيضًا ما يكادُ يأخذ عقلك من مدهشات العصر الحديث ومذهلاته الفريدة. وما بين الأمس القريب واليوم الحاضر مساحةً للتأمل في واجهتنا العربية والإسلامية، وحين تصل الرياض فأنت لست زائرًا في بلدٍ غريب عنك؛ بل قريب وجدانيا منك. لقد وجدت فيها أنسًا وطمأنينةً لا أذكر أنني أحسست بهما في أي مدينةٍ أخرى؛ إنها نعانقك: حجرًا وبشرًا، وتحتويك بيوتًا وشوارع، كل ما فيها يوشك أن يعانقك ويرحب بك، ميادينها الواسعة، ومتنزهاتها الجذابة، وبناياتها الشاهقة، وقلاعها الشامخة، ماضيها الضارب بجذوره الصلبة في أبعد أعماق التاريخ، وحاضرها المشرق المزدهر الذي يسابق الدنيا كلها نحو أبعد آفاق المستقبل. لأول مرة أزور الرياض، ولأول مرة أندم على السنين التي ضيعتها دون أن أزور مدينة، وخلال يومين وقفت علي الكثير الجميل فيها؛ فإنسانها المثقف ومقاهيها التي تحمل روائح عطرةً من عبق الماضي والحاضر. ولقد أدهشني أنهم يقرؤون في كل مكان، وأن المقاهي الأدبية توشك أن تقدم الكتب قبل المشروبات، إنها أمة تقرأ. التقيت فيها نفرًا من المثقفين الذين عرفتهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي؛ فتأكد قول القائل: ليس من قد رأى كمن سمع، إنهم يفوقون ما توقعته منهم آلاف المرات كرمًا وسخاءً، وشهامةً وأريحية، أمَّا ثقافتهم الواسعة ومجالسهم الأدبية فحدث ولا حرج. حتى رجال الأمن في الشوارع والمنشآت العامة، في زيهم العسكري المهيب، يشعرونك بأنهم في خدمتك، وأنهم هنا لتشعر بالأمن والسلام، وتستطيع أن تذرع الرياض من أقصاها إلى أقصاها وأنت آمنٌ مطمئن، لا تخشى على نفسك شيئًا، وكن على ثقةٍ من أنك لن تحس فيها بالوحدة أو الغربة، ولا حتى بأنك ضيفٌ زائرٌ أو سائحٌ عابر. إن الرياض واحدةٌ من أكبر المدن العربية، ولعلها أكثرها نظامًا وأمنًا، ويكفي أنها عاصمة بلد الحرمين الشريفين، وأنها تذكرك دومًا، رغم طول المسافة، بأنها على مرمى حجرٍ من مكةالمكرمة؛ حيث البيت الحرام وشعائر الحج والعمرة، وروحانيات العبادة الخالصة لله الواحد الأحد، وهو موضوع حديث قادمٍ حين يأذن الله لي بزيارة بيته في القريب العاجل بحوله ومشيئته. بقلم الأديب الإريتري هاشم محمود