كان جدي -رحمه الله- يشتغل في التجارة في مكةالمكرمة، وكان لديه دكاكين يبيع فيها البضائع للزبائن ويساعده فيها عمال له. وكان -رحمه الله- يحرص على أن يختبر أمانة وولاء من معه من فترة لأخرى، ومن ضمن تلك الأساليب أن يتعمد وضع مبالغ مالية وسط البضائع. فإذا جاء العامل بالمبلغ الذي اكتشفه عرف أمانته وكلفه بمهام أكبر وأهم، وإن لم يبلغ العامل عن المبلغ عرف معدنه واتخذ بشأنه ما يناسب صنيعه. مرّت عقود على هذه الأحداث، إلا أن الدرس ما يزال قائماً في أهمية أن تختبر من يعمل معك وخاصة من يتولون المناصب والأدوار القيادية. صحيح أن هنالك اختبارات متخصصة نفسية وسلوكية لقياس كفاءات وقدرات القياديين في المنظمات. وبدون شك فقدرة الشخص على تحقيق المستهدفات وبالجودة العالية وبفعالية وكفاءة تعتبر معايير مهمة. ولكن هنالك مواقف وأوقات تستطيع أن تعرف فيها المعادن القيادية للاشخاص الذين أمامك ومنها: وقت الإجازات: تعتبر من المواقف المهمة التي تكشف لك الطبيعة القيادية للأشخاص. ومن ذلك هل قام بتسليم المهام بشكل صحيح ليضمن سير العمل وعدم تعطله خلال إجازته؟ هل أبلغ موظفيه وزملاءه والأشخاص أصحاب العلاقة من قبل بشكل منظم؟ أضف إلى ذلك هل سلم الأعمال إلى الشخص الأفضل والأكثر جدارة أم كان معيار الاختيار مختلفاً وتدخل فيه المجاملات والنظرة الشخصية بعيداً عن الاحترافية. مثل هذه النقاط مهمة لأنها تبين طريقة تعامل الشخص اليومية مع فريقه. وشتان بين شخص يبني عملاً مؤسسياً وبين شخص يعطل كل الملفات ويربطها بذاته ولو على حساب مصلحة المنظمة. هنالك بعد آخر في الواقع، وهو هل الشخص يتمتع بإجازاته؟ هل يدع موظفيه يتمتعون بإجازاتهم؟ هذا البعد مؤشر على حرص الشخص على التوازن بين الحياة والعمل لنفسه ولمن يعملون معه. قد تتحقق إنجازات على المدى القصير، ولكن على المدى الطويل سيكون الثمن هو صحة الشخص نفسه ومن معه. وقت الأزمات: هل لديه الشجاعة ليتحمل المسؤولية أم يرمي بها على موظفيه والإدارات الأخرى والظروف الخارجية؟ هل تعامله هادئ وعقلاني أم عاطفي واندفاعي؟ هل يستمع للنقد ويحاول معالجة المشكلات أم يكابر؟ في الأوقات الصعبة يحتاج الأمر إلى أشخاص هادئين واثقين قادرين على قراءة الموقف وتقديره للبحث عن حلول واتخاذ أفضل القرارات التي تخدم مصلحة المنظمة. أما المتهرب من المسؤولية فهو كجنرال الجيش الذي يترك جنوده في ساحة المعركة ويهرب. وقت الانتصارات: هل يمجد ذاته وينسب الإنجاز لنفسه فقط؟ هل يشكر فريقه وكل من عاونه ودعمه؟ كما قيل فالهزيمة يتيمة والنصر له ألف أب وكل يدعي وصلاً بليلى. في ساعة الإنجاز تبدو معادن الأشخاص فهنالك المخلص الوفي الذي يذكر كل من عملوا معه وساندوه وهنالك الأناني الذي لا يفكر إلا بنفسه ولا يتورع عن اختزال جهود فريق ومنظومة كاملة في شخصه فقط. مثل هذه النوعية خطيرة لأنها ستقدم مصالحها الشخصية على المنظمة وستحارب دون تورع أي شخص قد يهدد كرسيها أو يخطف الأضواء منها. مازالت هنالك مواقف أخرى يمكن أن تطرح لاحقاً. لكن، ولنكون منصفين فقد تكون هنالك حالات لأشخاص لديهم جوانب قصور في بعض النقاط مما أعلاه. فوقتها لا ينبغي الحكم القاطع بأنهم سيئون أو غير مؤهلين، بل المطلوب هو التوجيه والإرشاد بهدف تطوير ذلك الشخص وصقل مهاراته وإعطائهم الفرصة بما يخدم المصلحة العامة فتلك هي مسؤولية القائد الذي يصنع القادة. وباختصار، إذا كنت تعرف الرجل وقت السفر والتعامل بالمال، فيمكن أن تعرف معدن القائد الحقيقي وقت الإجازات والازمات والانتصارات. أما أوضح معيار للقائد فهو بعد أن يغادر منصبه، فانظر كيف يذكره من كانوا يعملون معه. فشتان بين قائد حقيقي يدعون له ويذكرونه بخير وقائد فاشل يدعون عليه ويذكرونه بسوء.