كنت ما أزال طالباً في الجامعة وعملت لفترة مضت من حياتي في إحدى المنظمات العربية كمتدرب، وكانت أول مهمة لي بتوجيه من المدير أن أعد تقريراً عن إحدى حلقات النقاش الاستراتيجي التي حضرتها. وبعد أن بعثت له التقرير أعاده إلي بطلب تعديل واحد وهو حذف اسمي وإبقاء اسمه فقط كمعد للتقرير تمهيداً لرفعه إلى الإدارات العليا.. مقالة اليوم تناقش قضية الجندي المجهول والإدارة العصرية.. لعل من أسباب الصدمة العنيفة التي تعرضت لها بسبب ذلك الموقف هو خلفية دراستي في الجامعات اليابانية حيث لا يتحرج الأستاذ الدكتور وطلاب الدكتوراة من أن ينشروا الأبحاث متضمنة أسماء الفريق كاملاً بما فيها طلاب المرحلة الجامعية إن كان لهم إسهام في المشروع البحثي وهو ما حصل معي شخصياً وزملائي في المعمل. ولاشك أن كل إنسان يريد أن يشعر بالتقدير والعرفان لعمله وجهوده سواء في الحياة المهنية أو الخاصة، واستذكر كلمات مقدمة البرامج الشهيرة أوبرا وينفري في حفل التخرج بجامعة هارفراد عام 2013م والتي ذكرت فيها أنها أجرت أكثر من 35 ألف مقابلة وفي جميع المقابلات كان السؤال الذي طرحه ضيوفها سواء الرئيس بوش والرئيس أوباما وحتى المغنية بيونسيه هو:»كيف كان أدائي؟». ويمكن القياس على ذلك في تعامل القائد مع فريقه حيث أن تجاهل جهود الموظفين من شأنه أن يؤثر بشكل سلبي في حماس وإنتاجية الموظفة ويقتل الولاء والانتماء للمنظمة. ومن الكلمات الجميلة التي أذكرها للدكتور سعد الزويهري عندما كان يعرف بموظفيه أمام المسؤولين أو الزوار قوله:»هذا الموظف ليس فقط الجندي المجهول، بل هو كتيبة كاملة في عمله وتفانيه». ولك أن تتصور شعور الموظف عندما تجد مديره يشيد بعمله وأدائه بكل ثقة وأمانة من دون خوف على كرسي أو منصب. ومن شأن مثل هذا التقدير أن يجعل الموظف أكثر إخلاصاً وتفانياً وإبداعاً في مهمته. ولمن لا يعرف الجندي المجهول فهو نصب تذكاري في القاهرة تخليداً للمصريين الذين فقدوا أرواحهم في حرب الاستنزاف وحرب 1973م والذين لم تعرف أسماؤهم كبقية الشخصيات أصحاب الشهرة.. وفي الواقع وفي دراسة منظمة جلاس دوور حول (تقدير الموظفين)، فقد أظهرت النتائج أن 53 % من الموظفين أكدوا أن الشعور بالمزيد من التقدير من الإدارة من شأنه أن يجعل مدة البقاء في الشركة أطول. ومن النصائح المهمة للنجاح في موضوع تقدير الموظفين: مراعاة حجم العمل وتقدير الجهود، عدم تصيد الأخطاء، التوقف عن التباهي والمفاخرة بالنفس، التعامل بتواضع، مدح الإنجاز والإشادة به، تفهم الظروف ومراعات الإجازات وأخيراً السعي إلى تعزيز العمل بروح الفريق. وختاماً، انتهى عصر الإدارة بطريقة الشخص الواحد الخارق للقدرات وتجاهل جهود الموظفين. القائد الناجح يثق بنفسه ويعرف أن نجاح أعضاء فريقه، وإبراز أعمالهم وإنجازاتهم هو الطريق لنجاح المنظمة، وأحد أهم معايير النجاح الإداري والقيادي..