في سنة 1947م وصل الرحالة الإنجليزي جورج بيلينكن ضمن وفد سعودي عائد من أوروبا برئاسة حافظ وهبة وصلوا إلى مطار جدة مرورا بالقاهرة بعد أن تلقى تحذيرا لاتقاء بقة الفراش المنتشرة في جدة ومن سعار البعوض بعد ما رأى بعض المسافرين مهتمين بشراء عشبة الأترجة والمستخدمة لحماية القادمين الجدد من بعوض مدينة جدة. وبحسب كتابه "يوميات رحلة من القاهرة إلى الرياض أحد إصدارات دارة الملك عبدالعزيز" فإن أول ما لفت انتباه جورج والطائرة تحلق فوق ميناء البحر الأحمر أبنية طويلة مربعة وعدد من سيارات البونتياك الشهيرة.. شد انتباهه أيضا عددا من الخدم السعوديين يمشون في ممرات الحديقة الرائعة متجهين للمدخل الرئيس يحملون معهم مصباح الأعاصير فأحس كما يقول وهو يرى سطوع المصباح بسحر مفعم بالحيوية يستعصي على العبارة.. ما لذي يجعل السعودية مغرية إلى هذا الحد؟ هل يعود السبب إلى قلة الرجال البيض الذين زاروا قلب الجزيرة العربية. أم أن السبب هو ما يمكن أن تكشف عنه الصحراء القاحلة الشاسعة من معلومات وأسرار حقيقية مثيرة لحضارات سادت ثم بادت. هذا الإحساس بالسعادة لم يشعر به حسب قوله وهو يزور بومباي أو كلكتا لأنه يعرف أن بريطانيا هي المسؤولة عن التخلف والإهمال الذي يرزح تحته ملايين البشر هناك. يعقب ذلك بسياق معلومة قائلا: أسوق المعلومات الآتية للذين لا يعرفون شيئا عن المملكة العربية السعودية التي تبلغ مساحتها خمسة أضعاف مساحة الجزر البريطانية ويبلغ عدد سكانها خمسة ملايين نسمة وفي سنة 1922 وحد الملك عبدالعزيز الحجاز ونجد ويفد إلى ميناء جدة سنويا مئات الآلاف من الحجاج المسلمين لزيارة الأماكن المقدسة وفي جدة يوجد تسع أو عشر بعثات دبلوماسية ويمنع غير المسلمين من دخول أهم مدينتين مكة والمدينة بينما بقيت العاصمة الرياض خالية تماما من الأجانب. حينما حطت الطائرة فوق مطارها الذي يبدو للوهلة الأولى كما لو أنه قطعة صغيرة من الأرض تقوم عليها بيوت وأبنية قليلة وسط صحراء شاسعة رأى الفرح الفطري على وجوه كثير من السعوديين الذين رحبوا بالشيخ حافظ وهبة كانوا زملاء تجارة ملابسهم المهيبة يقبلونه على خده وهي عادة كما وصفها تختلف تماما عن الطريقة التي كان يراها في الغرب للتعبير عن الفرح بالقادمين. توقع أن تنقلهم سيارة قديمة إلى قصر الضيافة الحكومي لكنه تفاجأ بدلا من ذلك بسيارات "لنكن زفرز" من طراز 1947 القادرة على قطع مسافة خمسين ميلا في الساعة سارت بهم السيارات الأربع في صف واحد على طريق رملي ولوح مودعا شابا يرتدي ثوبا أبيض كان قد استلم جواز سفره بعد ما أكد له أن حقائبه الاثنتين سلمت لسائق السيارة وظهر على الأفق قبل أن يقطعوا ميلا واحدا عدد من السيارات الجديدة الفخمة ترجل منها رجال شبههم بنجوم السينما بثيابهم الفضفاضة رحبوا بهم بلغة إنجليزية ممتازة كان هؤلاء من أعيان جدة مديري بنوك وتجار ومطوفين. شده أكثر وسامتهم قائلا: أعتقد أنها فكرة جيدة لو أن الباحثين عن المواهب في السينما البريطانية يحضرون كاميراتهم إلى جدة للعثور من بين هؤلاء الشبان الوسيمين على خليفة للمثل فالانتينو (ممثل أميركي اشتهر في عشرينات القرن الماضي وفي عهد السينما الصامتة بوسامته الطاغية فكان فتنة كثيرا من مراهقات أوروبا حتى كان من بينهن من لجأ للانتحار يوم وفاته". مروا ببيوت خشبية قديمة بعضها عال وبعضها الآخر قصير ذات أبواب ملونة ومشربيات خشبية أمام النوافذ جعل من جدة حسب وصفه لو كانت صفحة من زمن العهد القديم، تذكر بأرض لم تتغير منذ ألف سنة أو ألف وخمس مئة سنة. يتبع.. بيوت جدة القديمة ميناء جدة الإسلامي حافظ وهبة