تنحصر علاقة الأغلبية العظمى من القراء بالمؤلفين والكتّاب في كتبهم ومؤلفاتهم، مع وجود نسبة من القراء ممن يلتقي بالكتّاب أو تكون علاقته بهم ممتدة وليست مقتصرة على النص المقروء. لكن المشكلة التي قد تحصل هي أن بعض القراء يشكلون في أذهانهم صورة وردية لبعض المؤلفين نابعة من قراءاتهم لهم، سرعان ما تصطدم بواقع قد يكون مختلفًا جدًّا عن الحقيقة المشوبة بإنسانية الإنسان، وذلك عند الالتقاء بهم. وتعود تلك النظرة المثالية إلى الكتاب عند قارئيهم إلى أن تشكيل الصورة عنهم إنما يأتي من نصوصهم ليس إلا، وهو أمر يعجب كثيرًا من الكُتّاب؛ لأن التحكم في الصورة المتشكلة عنهم من هذا الطريق أسهل بكثير مما لو كانت عن طريق المواجهة والتعامل المباشر. ويعتبر بعض الكتّاب أنه يجب الفصل بين مؤلفات الكاتب وحياته الشخصية لدرجة أن أحد الكتاب الفرنسيين (موباسان 1850-1893م) "رفض نشر صورته في سلسلة مخصصة لمشاهير الكُتّاب، متذرعًا بأن حياة الإنسان الخاصة وصورته لا يخصان الجمهور" (كهف القارئ-ص43). في حين يبالغ الكاتب والروائي الفرنسي جوستاف فلوبير (1821-1880م) حين يقول: "على الفنان أن يجعل الأجيال اللاحقة تعتقد أنه لم يكن موجودًا" المصدر. ويكمن جزء من المشكلة في أن القارئ وبتأثير مباشر من قراءاته لكتابات كاتب ما قد تتشكل لديه صورة نمطية غير واقعية عن الكاتب، تغلب عليها الإيجابية، قد تصطدم بواقع آخر؛ فكما أنه يؤثر في الناس بفكره فإنه يتأثر بهم ويعاني ما يعانيه عامة الناس من مشكلات عائلية أو مالية أو أكثر من ذلك بكثير ما يدفع بعضهم إلى إنهاء حياته بالانتحار كما حصل لعدد منهم. ومما يحكى أن أديبًا روسيًّا أثرت كتاباته في الناس ذهب إلى طبيب نفسي يشكو من الحزن والاكتئاب، فنصحه بالابتعاد عن قراءة القصص المحزنة، وأن يتحول لقراءة القصص المبهجة والمسلية لميخائيل زوشينكو. لكن الطبيب تفاجأ حين علم أن المريض هو ذاته ميخائيل زوشينكو! ولذلك فإن على القارئ أن يفصل بين مؤلفات الكتّاب والكتّاب أنفسهم الذين قد لا يطبقون ما يكتبونه من أفكار. فهل يمكن مثلًا تخيل موقف قارئ قطع مسافات طويلة لحضور حفل توقيع كتاب لكاتبه المفضل، ثم يتفاجأ بمقابلة باردة منه، أو أن يرفض إعطاءه موعدًا للقائه؟ هل نتوقع حينها أن تبقى للكاتب نفس المكانة عند ذلك القارئ؟ يصعب تخيل ذلك.