اعتمدت رؤية 2030، في المجتمع السعودي في مجملها على ثلاثة محاور، تتمثل في المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح، وتتكامل هذه المحاور مع بعضها البعض في سبيل تحقيق الأهداف المرجوة، باعتبارها رؤية طموحة تهدف لتحقيق أعلى الحماية الاجتماعية لكامل الفئات المجتمعية المستفيدة من خدمات التنمية الاجتماعية من خلال سعيها إلى زيادة معدلات أعلى للتنمية البشرية والاجتماعية وتعزيز الأثر الاجتماعي للقطاع غير الربحي ذي الأثر الاجتماعي الذي يطور العمل والتنمية الاجتماعية خصوصا الجوانب الأمنية منها لكي تتخطى جميع العقبات والمعوقات (انظر، https://vision2030.gov.sa). وفي الواقع إن الأمن الفردي والأمن الجماعي متداخلان مع بعضهما البعض، فأمن الفرد هو أمن الجماعة والعكس صحيح، وما يفسد على الفرد أمنه يمكن أن يفسد أمن الجماعة أمنها وهكذا. فالعلاقة بين الأمن والتنمية في ضوء "الإستراتيجيات الأمنوتنموية" تزيد من حجم الاستثمارات وتُفعِل الاقتصاد، وتوفر الفرص الوظيفية، وتقلل من معدلات الجهل والفقر والمرض، فلا تنمية بدون أمن، ولا أمن بدون تنمية، مصطلحان متلازمان، فإذا كان الأمن هو مجموعة الأسس والمرتكزات التي تحفظ للدولة تماسكها واستقراراها، ويكفل لها القدرة على تحقيق قدر من الثبات والمتعة والاستقرار في مواجهة المشكلات، وإذا كانت التنمية تعني المنهجية العلمية باستخدام تقنية المعلومات لتلبية احتياجات وأهداف محددة، فإن الإستراتيجية الأمنية وإستراتيجية التنمية هما صنوان، وكلاهما يخطط ليحقق أهداف الإستراتيجيات "أمنية وتنموية" متوسطة وبعيدة المدى (عابد، 2010)، وللوصول إلى أمن مستدام وتنمية مستدامة، فالتنمية شمولية في مساراتها سواء علمية أو سياسية أو اقتصادية أو تجارية أو صناعية أو صحية أو معلوماتية أو فكرية أو بلدية أو خدمية أو نقل.. وغيرها. ولن تتحقق هذه الأمنية التنموية إلا في ظل إطار أمني، يحقق لها الاستقرار، ويحيطها بسياج أمني يميزه الإبداع والابتكار والأصالة والمهنية لتحقيق الأهداف المرجوة، وقد أكد لنا عبدالعزيز الخضيري (2009)، أن الأمن والتنمية عنصران متلازمان، وأي خلل في أحدهما ينعكس سلبا على الآخر، وأي استقرار أو تطور فيهما ينعكس إيجابا عليهما، وقد أستشهد بقول الله سبحانه وتعالى: {فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}. ووضح بهذه الآية الكريمة العلاقة الثلاثية القدرية التنموية بين عبادة الله سبحانه وتعالى وتحقيق التنمية من خلال أساسياتها الإطعام من جوع والأمان من الخوف، كما ذكر بقوله: لا تنمية بلا أمن ولا أمن بلا تنمية، فالأمن هو المحرك الحقيقي للتنمية والداعم لها والمؤكد على استقرارها وازدهارها وديمومتها. فآليات التحسين للأمن والتنمية تتمثل في خمس حاجات أساسية وضرورية هي: الحاجات الفسيولوجية، والحاجة إلى الأمان، والحاجات الاجتماعية، وحاجات التقدير، وحاجات تحقيق الذات، بينما الأمن الاجتماعي تمثلت حاجاته في: الأمن الاقتصادي، الأمن الصحي، الأمن الغذائي، الشخصي، الأمن السياسي، الأمن المجتمعي. وبما أن رؤية 2030 المملكة العربية السعودية قد تضمنت من بين أهدافها ازدهار الاقتصادوحيوية المجتمع، وطموح الوطن. كما وأن هنالك برامج واعدة ومتنوعة تهيئ الطريق لتحقيق هذه الرؤية 2030 ومنها: برنامج إعادة هيكلة الحكومة، برنامج الرؤى والتوجهات، برنامج تحقيق التوازن المالي، برنامج إدارة المشروعات، برنامج مراجعة الأنظمة، برنامج قياس الأداء، برنامج التحول الاستراتيجي لشركة أرامكو السعودية، برنامج إعادة هيكلة صندوق الاستثمارات العامة، برنامج رأس المال البشري، برنامج التحول الوطني، برنامج الشركات الاستراتيجية، برنامج التوسع في التخصيص، برنامج تعزيز حوكمة العمل الحكومي. فجسور الأمن واستتبابه من خلال ما تهدف إليه الرؤية التي سبق الإشارة إليها ركزت على الاقتصاد المزدهر للرؤية من حيث الوصول بالمحتوى المحلي في قطاع النفط و الغاز إلى نسبة 75 % عوضاً عن 40 %. ثم تقليل نسبة البطالة في المملكة وجعلها تصل إلى 7 % بدلاً من 11.6 %. إضافة إلى زيادة الصادرات غير النفطية بحيث تصل نسبتها بحد أقل إلى 50 % بدلاً من 16 % من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي هذا من جهة. ومن جهة آخرى، العمل الجاد على تقدم الاقتصاد وتحقيقه لأحد المراكز ال 15 الأولى عالمياً بدلاً من المرتبة 19. كذلك وصول المملكة إلى المرتبة 25 عالمياً و1 إقليمياً في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية بدلاً من المرتبة 49، كل هذا الإجراءات والتحولات للرؤية تعد نبراس آليات التحسين لمستوى متقدم للاقتصاد الذي يعتبر ركيزة أساسية للتحسن في مستوى الأمن الفردي والاجتماعي للمجتمع. ثم أن تزايد نسبة إجمالي الناتج المحلي من 40 % إلى 65 % بالتعاون مع القطاع الخاص يعزز وبقوة مستوى الأمن الفردي والاجتماعي للمواطنين، كما وأن وصول نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة من إجمالي الناتج المحلي إلى المعدل العالمي و هو 5.7 % بدلاً من 3.8 %. يعزز الاقتصاد ويقوي دعائم الأمن، إضافة إلى أن تخطي المملكة للمركز 25 في مؤشر التنافسية العالمية و تحقيقها لأحد المراكز العشر الأولى، وزيادة قيمة أصول صندوق الاستثمارات العامة ليصل إلى أكثر من 7 تريليونات ريال بدلاً من 600 مليار ريال، ومشاركة المرأة في سوق العمل بنسبة تصل إلى 30 % عوضاً عن 22 %، وزيادة مشاركة المنشآت الصغيرة و المتوسطة في الإنتاج المحلي الإجمالي و تقدمها من نسبة 20 % إلى 35 %. كل هذه التحسينات بمجملها تساعد وتقوي دعائم الأمن الفردي والاجتماعي للمجتمع وترتبط بعلاقة متينة نحو "الأمن - تنموية". كما وأن الرؤية 2030 تسعى إلى أن تجعل المجتمع السعودي مجتمعاً حيوياً بالتركيز على الأمن الصحي وذلك برفع متوسط عمر الفرد ليصل إلى 80 عاما بدلاً من 74 عاما، والتركيز على رأس المال البشري والتقدم في مؤشر رأس المال الاجتماعي و الوصول إلى المركز 10 بدلا من المركز 26، ثم التركيز على أن تحتل ثلاثة مدن بالمملكة مراكز ضمن أفضل مئة مدينة في العالم، وهذا مؤشر قوي على توطيد دعائم الأمن الشامل فردي أم اجتماعي كان، وأن تزيد نسبة الأشخاص الممارسين للرياضة بشكل أسبوعي و تصل إلى 40 % بدلاً من 13 %. أن تنفق الأسر على الثقافة والترفيه في المملكة بنسبة 6 % بدلاً من 2.9 %، وهو مؤشر سياحي أمني، كذلك زيادة المواقع الأثرية التي يتم توثيقها في اليونسكو ليصل عددها إلى الضعف، ورفع طاقة الحرم المكي الاستيعابية لكي يستقبل 30 مليون معتمر بدلاً من 8 ملايين فقط كمؤشر لأمن العبادات. كما وأن الرؤية ركزت على وطن طموح وذلك بزيادة نسبة مدخرات الأسرة لتصل إلى 10 % بدلاً من 6 % ليكون مؤشر أمن للأسرة، وأن يكون عدد المتطوعين كل سنة في القطاع غير الربحي 1 مليون بدلاً من 11 ألفا في الوقت الحالي، وأن تزيد مشاركة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 5 % بدلاً من 1 % مما يؤكد علاقة أمنه وقوية، إضافة إلى ذلك التقدم في مؤشر الحكومات الإلكترونية وتخطي المركز 36 وتحقيق مركز ضمن المراكز الخمس الأولى وذلك لكي يأمن كل مواطن على سير إجراءات طلباته بشكل أمن وسليم ومن دون أن تدخل فيه ثقافة التسويف والمماطلة والتأخير غير المبرر، ثم التقدم في مؤشر فاعلية الحكومة و الحصول على المركز 20 بدلاً من المركز 80، ورفع نسبة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 163 مليار ريال لتصل إلى 1 تريليون ريال بشكل سنوي، لتؤكد أقتصاد قوي أمن ورفاهية مجتمعية غير مسبوقة من قبل. وطبقاً للسياق السابق، فإن غاية الرؤية 2030 للمملكة العربية السعودية بقيادة عرابها ومهندسها صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - أتت كمنظومة متكاملة لتجمع بين تحقيق الأمن والتنمية معاً وفقاً لإجراءات حقيقية مدروسة لمواجهة الأخطار والتهديدات الداخلية والخارجية للوصول لمستقبل أفضل وواعد لأبناء المجتمع السعودي، لكون ضعف البنية الأمنية ينعكس على البنية التنموية لهدف الرؤية المباركة وقد يهدد بنسف أية مقاربة تنموية مهما كانت دقيقة، حيث التنمية والأمن وجهان لعملة واحدة ولا يمكن فصل إحداهما عن الآخر، فكلما تقدمت التنمية تقدم الأمن، أن معالجة وتحسين مستوى المعيشة بتوفير الغذاء والدواء كل ذلك يعمل على تهيئة بيئة ملائمة قادرة على العطاء وتمكن الأفراد من توظيف الفكر بما يخدم أهداف الرؤية التنموية لبلوغ غاياتها. لقد تولد لدى صناع القرار السعودي بعد خطط التنمية الخمسية التي بداءت من الأولى إلى الخامسة القناعة الاستراتيجية في كون التنمية الاجتماعية والاقتصادية في السعودية عنصراً أساسياً في سياسة التنمية الشاملة؛ لأن تحقيق الحد الأدنى من التنمية يكون دائماً الأرضية الملائمة لتحقيق المزيد من الاستقرار والسلم والأمن الاجتماعي، فكلما تحسنت مستويات التنمية تدعمت الجوانب الأمنية بأبعادها الشاملة. أن المقاربة الجديدة للمملكة العربية السعودية ساهمت في إعادة بلورة العلاقة بين التنمية والأمن، وهذا بدوره يعد مثلث إحدى الركائز للمعالجة التنموية للمشاغل الأمنية في إطارها الاجتماعي كشرط لرفع مستوى المواطن السعودي وعنصرا أساسياً من عناصر المنظومة التنموية الشاملة، ومن هنا يمكن الجزم بإنه لا تنمية بلا أمن ولا أمن بلا تنمية، فالأول هو المحرك الحقيقي للتنمية والداعم لها والمؤكد على استقرارها وازدهارها وديمومتها، ولهذا فقد حرصت الدولة على الأهتمام بالرؤية التي تعتبر من مقومات الأمن واعتبارها من أهم الواجبات الرسمية التي تقوم عليها الدوله وتسخر لها كل الإمكانات المادية والمعنوية لها؛ لأن ضعف التنمية وانخفاض وانعدام دخل الفرد يؤدي إلى ضعف الأمن وهذا بلا شك يهدد بانتشار أنواعا مختلفه من الجرائم والسرقات التي تبدء بسيطة لسد الحاجات ثم تتطور إلى أن يتحول الأمر إلى جرائم تقف خلفها مؤسسات إجرامية يصعب علاجها، وبالتالي يكون ضعف الأمن واختلاله مبرر للاعتداء على الأموال والأنفس، فالأمن لا يكمن أن يكون فقط في القوة العسكرية بل بتنمية نماذج مستقره اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، والتكامل ما بين الدولة والمجتمع وما بين رجل الأمن والمواطن. * أستاذ الجريمة والإصلاح - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية