قفز العمل الأهلي في بلادنا السعودية قفزات هائلة حين أصبح مكونا أساسيا من مكونات رؤية الدولة (2030)، وشريكا مهما للقطاع الحكومي في تحقيق مؤشراتها وأهدافها، ومن الطبيعي جدا أن يرتقي إلى تحقيق أهداف كلية على مستوى الوطن، وهو يقوم بممارسات جزئية يومية، وكما كان صادق الانطلاقة، فهو صادق مع نفسه في تقويم العمل وقياس أثره، سعيا في حفظ الجهود والأموال والأوقات المبذولة بسخاء. مساهمة العمل الأهلي المحلي لا تتجاوز نسبة 0.3% من الناتج المحلي مقارنة بالمستوى العالمي المقدر ب 6%. وتمثل المشروعات الخيرية التي لها أثر اجتماعي أو التي تتواءم مع أهداف التنمية الوطنية طويلة الأمد (7%) فقط. بينما المطلوب مساهمة العمل الخيري في السلام والتماسك الاجتماعي والمشاركة والاندماج الاجتماعي ورفاه المجتمع وصناعة المستقبل الوطني بكافة مكوناته بأضعاف هذه النسبة المتواضعة. ومن أجل تحقيق ذلك فلا بد من توفير معلومات أساس يتم بناءً عليها وضع برامج علاجية ووقائية وتنموية لتحقيق الاستقرار الأسري بالمملكة العربية السعودية. إن العمل الأهلي الموجه للأسرة كثير جدا ومتشعب، ولم يقتصر على مؤسسات التنمية الأسرية، بل شاركتها لجان التنمية الاجتماعية وجمعيات البر والأيتام، بل ومكاتب الدعوة، ورصدُ أثرِ كل تلك البرامج في استقرار الأسرة السعودية يزيد من الدقة في تحقيق أهدافها، فالأسرة إذا استقرت تماسك المجتمع، ونبغ الأولاد، وتطورت البلاد، وساد الأمن؛ فالأمن الأسري بوابة الأمن الوطني. ومن خلال دراسة حديثة قام بها مركز خبرة، عُنيت بتحديد دور العمل الاجتماعي الأهلي في تحقيق الاستقرار الأسري بالمملكة العربية السعودية، وتحديد المعوقات التي تحول دون ذلك؛ من خلال توفير معلومات أساس يتم بناء عليها وضع أوليات لتحقيق ذلك الاستقرار الأسري المنشود، وآليات لتنفيذها، أشارت النتائج إلى أن تنوع دور العمل الخيري في تحقيق الاستقرار الأسري بالمملكة العربية السعودية ما بين أدوار قوية ومتوسطة؛ جاء باعتماده على منظومة القيم الدينية في المرتبة الأولى، ثم تتابعت- على الترتيب- القيم الإيجابية، ودعم العلاقات داخل الأسرة، وتجنب أساليب الإنفاق الخاطئة في الأسرة، واستخدام التخطيط، ومواجهة العمل الخيري للعنف الأسري، وتحديد الأسرة لأهدافها، وإقامة علاقات اجتماعية ناجحة لأفرادها خارج إطارها، وتحديد الأدوار داخل نسيجها. ودعم قدرات أفرادها؛ لتحقيق الاستقرار الأسري الفردي والجماعي. كما أسهم العمل الأهلي في تأصيل الاتصال المتبادل بين أفراد الأسرة، وإشراك أفرادها في مناقشة مشكلاتها، وتأهيل الأم في علاقتها الإيجابية مع الأولاد، وفي معالجة الخلافات الأسرية؛ للوصول إلى توافق الأسرة، والقدرة على تحقيق النجاح في عملية اتخاذ القرار في الأسرة. وتتعاضد مجموعة من مكونات العمل الأهلي- إلى جوار القطاع الحكومي- في إشباع الحاجات الأساس للأسرة. وكأي عمل تشكل المعوقات بُعده الثالث، وتكون- أحيانا- المحفز الأكبر فيه، وعلى رأس تلك المعوقات التي أصبحت هاجس العمل الأهلي الأسري، ضعف الاستدامة المالية؛ مما دفعه إلى ألوان من الاستثمار الاجتماعي في المجال الذي يخدم فيه، وإلى تعزيز قطاع الأوقاف؛ الذي يعيش انتعاشا ظاهرا، ويمتد أرضا صُلبة تحت أقدام تلك الجمعيات واللجان والمراكز العاملة في الشأن الاجتماعي بشكل عام. كما اكتشفت تلك المؤسسات الأهلية العاملة ضعف تقييم ما تقدمه من البرامج أو المشروعات الموجهة للأسرة بطريقة علمية، وضعف المزايا المقدمة للمتطوعين، ومن ثمَّ قلة المتطوعين، وندرة الاعتماد على البحوث العلمية، وقلة الكفاءات العلمية المهنية العاملة فيه، فجاءت مقترحات تحقيق الاستقرار الأسري في المملكة العربية السعودية لتحسين الأداء حسب الترتيب التالي: تصدرت القائمة أهمية دعم المؤسسات المانحة ورجال ونساء الأعمال لبرامجه، وزيادة متابعة تلك البرامج والتركيز على ذات الجدوى المرتفعة منها، والعمل على تأهيل وزيادة المتخصصين في العمل الأهلي التطوعي، واستمرار وزيادة دعم الدولة للعمل الخيري من خلال الوزارات المعنية.