يلعب القطاع غير الربحي في المملكة دورًا فعالًا في التنمية منذ الثمانينات الهجرية، أي منذ قرابة ستة عقود من الزمان، فقد برزت المؤسسات والجمعيات الخيرية ولجان التنمية الاجتماعية ومراكز الأحياء حاضرة كشريك تنموي على الأرض تلبي احتياجات المجتمع وتلامس متطلباته وتسعى للاستجابة مع المتغيرات والحاجات، وكان لها تأثير فاعل في برامج مكافحة الفقر، وكفالة الأيتام والأرامل، وبناء قدرات الشباب، والأمومة والطفولة، ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين، والأعمال الإغاثية، واقامة برامج تنموية متعددة كالاستشارات الأسرية وتأهيل المقبلين على الزواج، وبرامج التدريب والتأهيل للوظائف، ورعاية المواهب الفنية والعلمية والأدبية وغيرها، وكانت متميزة في ادائها، رائعة في مخرجاتها؛ كونها منطلقة من احتياجات المجتمع، وباشرها أبناء المجتمع بذواتهم التطوعية المنطلقة من بواعث دينية واجتماعية راسخة لتحقيق التكامل وتنمية الذات والحصول على الأجر والثواب. ولقد تم تنفيذ عدد من المبادرات الهادفة التي سعت إلى التكامل في العمل التنموي الشامل، والانطلاق من الرعوية للتنموية، كما أظهرت تكيفًا لافتًا مع المتغيرات الحادة التي أملتها التطورات التقنية وثورة الاتصالات والعالم الافتراضي والتوسع العمراني والسكاني. ومع طرح رؤية المملكة الطموحة 2030، وتعاظم دور منظمات القطاع غير الربحي في المجتمع السعودي وتقاطع عملها وأهدافها العامة مع معظم الأهداف الاستراتيجية للرؤية، وملامستها لاحتياجات المجتمع السعودي لاسيما الفئات الضعيفة وهي من أهم الفئات المستهدفة، كان لابد أن تتسع الآفاق وتتضافر الجهود؛ للإسهام في تحقيقها. تعتمد رؤية المملكة على 3 محاور، هي المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح، وهذه المحاور تتكامل وتتسق مع بعضها في سبيل تحقيق الرؤية، وحدد لكل محور التزامات وأهداف استراتيجية.. ويتكامل عمل هذه الالتزامات والأهداف لتحقيق الرؤية بتكامل الأدوار والمسؤوليات بين القطاعات الحكومية والخاصة والقطاع غير الربحي..إذ تهدف الرؤية فيما يخص القطاع غير الربحي إلى رفع مساهمة القطاع من أقل من 1% إلى 5% من الناتج المحلي، ورفع نسبة المشروعات التنموية ذات الأثر الاجتماعي من 7% إلى 33%، والوصول إلى مليون متطوع، كما تهدف الرؤية في محور المجتمع الحيوي إلى تعزيز القيم الإسلامية والهوية الوطنية وتمكين حياة عامرة وصحية، ومحور الاقتصاد المزدهر إلى تنمية وتنويع الاقتصاد وزيادة معدلات التوظيف، ومحور الوطن الطموح إلى تعزيز فعالية الحكومة وتمكين المسؤولية الاجتماعية.. وفي هذا الصدد، قامت مؤسسة الملك خالد الخيرية ومن ضمن اهتمامها برصد اتجاهات القطاع غير الربحي في عدد من المؤشرات الاحصائية المتعلقة بالعطاء والتطوع والأثر الاجتماعي، بإجراء دراسة لأنشطة المنظمات غير الربحية وتصنيفها وفقًا لمساهمتها في الأهداف الاستراتيجية العامة للرؤية، وضمنت تقريرها «آفاق القطاع غير الربحي 2018»، وأظهرت النتائج أن 34% من المنظمات ساهمت في تمكين حياة عامرة وصحية، 30% منها في تمكين المسؤولية الاجتماعية، 24% منها في تعزيز القيم الإسلامية والهوية الوطنية، و10% في تنمية وتقوية الاقتصاد. وتوصي الدراسة بأن هذه المساعي والجهود ينبغي أن يخصص لها برنامج تنفيذي بهدف تعظيم أثر تحقيق الرؤية للقطاع غير الربحي، تخضع لاطار حوكمة الرؤية على غرار برامج تحسين نمط الحياة و التخصيص وادارة المشروعات ومراجعة الأنظمة وغيرها... إن تأسيس هذا البرنامج المقترح سيسهم لا شك في استنهاض منظمات القطاع غير الربحي نحو تحقيق مستهدفات الرؤية والتي تنص أيضا على تسهيل تأسيس منظمات غير ربحية للميسورين والشركات الرائدة لتفعيل دورها في المسؤولية الاجتماعية، وأن يكون للقطاع غير الربحي فاعلية أكبر في قطاعات الصحة والتعليم والاسكان والأبحاث والبرامج الاجتماعية والفعاليات الثقافية. وحتى يتم ذلك، أرى أن يتم بناء قدرات المنظمات العاملة في القطاع غير الربحي وحوكمتها طبقا للهدف الاستراتيجي السادس الذي تبنته وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ضمن مستهدفات برنامج التحول الوطني2020، والمبادرات التي اعتمدتها لتحقيق تلك الاهداف لكي يتم تطوير أطرها المؤسسية، وتكون قادرة على مواءمة أهدافها ومطابقة برامجها وأنشطتها مع الأولويات الوطنية الواردة في رؤية 2030، والتركيزعلى تعظيم النتائج ومضاعفة الأثر والخروج بمبادرات هادفة تحقق التطلعات والرؤى من خلال عمل استراتيجي دؤوب يباشره مسؤولو هذه المنظمات لكي تكون النتائج متسقة مع الأولويات الوطنية، وتسهم اسهامًا مباشرًا في صناعة مستقبل مزدهر يلبي الطموحات ويحقق الأمنيات. *