الفضاء الإلكتروني هو سوق كبيرة تضم مليارات الدكاكين، تعرض حرفيا كل شيء؛ بضائع، خدمات، محتوى تافه، مواد تعليمية، تطبيب، دجل وكل ما يطرأ ولا يطرأ في مخيلتك ستجده في هذا الفضاء، لكن أسواق الخردوات لا تخلو من خامات ثمينة تحتاج التمحيص والبحث حتى تجدها. هذا الفضاء الإلكتروني بكل ما يعج به من فوضى كشف أيضا عن مواهب وعقول فذة واستثنائية، أتحدث هنا عن أولئك المبدعين والعباقرة الذين تجاهلهم المجتمع أو لم يعرفوا كيفية التسويق لمواهبهم والوصول للجهة المناسبة التي توظفها وتستفيد منها. الدول النامية والفقيرة على سبيل المثال تعد منجما لمثل تلك المواهب النادرة التي تلمع وتزدهر حتى في أسوأ الظروف؛ ذلك أن موهبتها الفذة تلح عليها لتنمو وتتعاظم حتى لو لم تجد دعما أو بيئة مناسبة والتاريخ والحاضر يضجان بالكثير من الأمثلة. الدول المتقدمة تعرف قيمة مثل هذه المواهب الاستثنائية، ولذلك بدأت الكثير من تلك الدول منذ عشرات السنين في اصطياد العقول المهاجرة وتوفير البيئة المناسبة لها لتتجلى وتطلق أقصى قدراتها، بل إن بعضها تستفيد من مناطق الحروب والنزاع وترسل مناديبها في عملية تشبه التسوق للبحث عنهم. أميركا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وغيرهم من الدول أشرعوا أبوابهم للعقول المهاجرة وشكل هؤلاء أحد العناصر الرئيسة التي أدت لنهضة تلك الدول. أيقونة ريادة الأعمال إيلون ماسك مثلا، من مواليد جنوب أفريقيا، وهاجر إلى كندا عندما كان عمره 18 سنة، ومن بعدها للولايات المتحدة، وهناك بدأ كتابة قصة نجاح أوصلته ليكون أثرى رجل في العالم، وشركاته وأعماله التجارية والوظائف التي خلقها تساهم بشكل كبير في الاقتصاد الأميركي، هناك أيضا شركات تأسست ونهضت بفضل العقول المهاجرة، فشركةPythian الكندية المتخصصة في تقنية المعلومات تفخر بأن نصف من يعملون فيها هم من المهاجرين الذين يتمتعون بالموهبة والخبرات الاستثنائية. لدينا في المملكة خلال هذه المرحلة الانتقالية الكبيرة فرص واعدة لاستقطاب هذه المواهب، خصوصا وأن بلادنا أصبحت منطقة جذب وتتمتع بفرص غير مسبوقة ومناخ حيوي للأعمال مما يجعلها موطنا مثاليا للعقول التي تبحث عن بيئة ترعاها وتقدر موهبتها، وبالفعل بدأنا في استقطاب المواهب والمبدعين عبر مركز الإقامة المميزة، ومن الممكن أن نأخذ خطوات أكبر في هذا الطريق ونوسع استهدافنا للعلماء والعباقرة والمبدعين في شتى المجالات، وحتى أولئك النوابغ الصغار الذين يملؤون الفضاء الإلكتروني؛ من الممكن أن يتحولوا لمشاريع اسثمارية بشرية كبيرة في حال احتضانهم وتقديم الدعم المناسب لهم ليصبحوا جزءا من مجتمعنا ويساهموا في مسيرة التنمية التي نشهدها حاليا.