أجيال جديدة من الكفاءات العربية تستعد للنزوح من أوطانها، بعضها نجح في الوصول مباشرة إلى الغرب المتلقف للعقول الذكية وبعضها الآخر متردد بين البقاء والمغادرة. دبي مدينة المال والأعمال والسياحة شعار يطالع الزائرين وواقع تعيشه المدينة. 170 جنسية من أصقاع العالم الأربعة تقطن المدينة النامية بسرعة تذهل حتى قاطنيها، وغالباً ما تجد الكفاءات والعقول مكاناً في انتظارها، ومستوى معيشة يناسب جهدها فتقرر البقاء. البقاء في الإمارات عامة ودبي بخاصة يرافقه إحساس بالأمان الموقت للعقول المبدعة والطاقات الطموحة. إذ أن قوانين الإقامة تقدم رواتب مغرية ومستوى راقياً من الحياة الفخمة المزودة بما لذ وطاب من تسهيلات الحياة الاستهلاكية المعاصرة. لكن تبقى هذه التسهيلات على رغم أهميتها- غير كافية للبقاء، فعاجلاً يقرر الشباب المغادرة إلى الخارج حيث تتلقفهم بلدان أجنبية تستفيد من خبراتهم على أكمل وجه وتعطيهم الأمان ومقومات الحياة التي تليق بهم وبإنتاجهم. مراد مهندس زراعي من سورية، يمتلك خبرة عملية اكتسبها من عمله مع منظمة الزراعة العالمية"الفاو". اختار دبي محطة تاركاً بلده لأسباب عديدة. يقول مراد:" وفرت لي دبي فرصة كبيرة للعمل والإقامة. لكن وجودي فيها موقت فطموحي إنهاء خمسة أعوام هنا والذهاب إلى ألمانيا لمتابعة اختصاصي والعمل في مجالي بخاصة أني لا أعمل هنا في الزراعة، إنما في إحدى الشركات الكبرى للمرطبات". وتخلى توفيق الأردني عن شهادة الهندسة الكهربائية، ليتفرغ موقتاً للتجارة، ريثما يتمم أوراق الهجرة إلى كندا. وها هو اليوم يستعد لمغادرة الإمارات مع عائلته. علي اللبناني يعمل مخرجاً تلفزيونياً في دبي يقول:"التواجد في دبي فرصة لكل من يعمل في مجال تقنية المعلومات، نظراً الى الاحتكاك المباشر والسريع والسهل مع المنتجات العالمية. ولكن ما لا يستطيع المرء تأمينه في دبي، هو أمان المستقبل وبخاصة للأطفال. لذلك سأغادر إلى كندا خلال الأشهر الآتية مع العائلة على أمل توفير فرصة لأولادي الثلاثة ومنحهم جنسية بلد يرعاهم ويهتم بتعليمهم وصحتهم". واللافت أن الإمارات استطاعت استقطاب بعض الكفاءات العربية المهاجرة، فطفرة النمو والانفتاح المتسارع جعلامن بعض الكفاءات العربية تشد الرحال عائدة إلى الإمارات بخاصة بعد حصولها على الجنسية والإقامة في بلدان المهجر. سمير مهندس بترول استرالي من اصل لبناني وجد في الإمارات فرصة جيدة ما كانت لتتوافر له من دون الجنسية الاسترالية، ونمط حياة يرتاح فيه أكثر من أستراليا. لكنه يصر على أن يتلقى أطفاله تعليمهم هناك وزيارة الإمارات ولبنان كل ما سنحت الفرصة. أما عبد العال وهو معد برامج تلفزيونية من المغرب فيعتقد أنّ الحياة في الإمارات أفضل في فرنسا بخاصة للشباب العربي." فعلى الأقل لا أجد هنا عقدة الآخر التي شعرت بها وعشتها في فرنسا. في المقابل وفرت له دبي بيئة جيدة للعمل والإقامة، وقبلت به من دون تمييز مع أقرانه العرب وأعطته فرصته التي تناسب إمكاناته وشهاداته العليا. في النهاية، تبقى الإمارات عموماً ودبي خصوصاً، مكاناً استثنائياً لعبور العقول العربية إلى فضاء آخر ولغة أخرى. ويبقى الأمل في أن تستفيد الإمارات من هذه الكوادر الثمينة وقد يأتي اليوم التي تتخذ فيه قراراً جريئاً يعزز بنيتها المجتمعية ويمنح العقول المهاجرة أماناً يجعلها تفكر في البقاء والاستقرار في بلد يقدرها ويمنحها الشروط الصحية للعمل والفضاء الواسع للإبداع.