صدرت مؤخراً الموافقة السامية الكريمة على منح الجنسية السعودية لعدد من أصحاب الكفاءات المميزة والخبرات والتخصصات النادرة، توالت بعدها أخبار منح الجنسية السعودية لمجموعة من الشخصيات المميزة في عدد من المجالات والحقول العلمية. هذه الخطوة هي تحرك استراتيجي ذكي نحو استقطاب الكفاءات من مختلف أنحاء العالم ليكونوا جزءاً صحياً من نسيج البلد ويشكلوا إضافة مهمة لوطنهم الجديد. استقطاب العقول والكفاءات هو استراتيجية مثمرة وفعالة تحرص عليها الأمم المتقدمة؛ كندا وأستراليا والولاياتالمتحدة وغيرها قامت على هذا المبدأ، وبعد الحرب العراقية تسابقت الكثير من الدول على استقطاب العلماء والأكاديميين العراقيين ومنحهم الجنسية وكأنهم جزء من غنيمة لا تقدر بثمن. في الخمسينات والستينات الميلادية، هاجر الكثير من العلماء الإنجليز إلى أمريكاوكندا بحثاً عن أرض جديدة تمنحهم حرية العمل وتمكن إبداعاتهم من الازدهار، وفي تلك الحقبة أطلقت الجمعية الملكية البريطانية مصطلح "هجرة العقول" على أولئك المبدعين الذين اختاروا أمريكا الشمالية وطناً جديداً لهم. وبالتالي ساهموا بشكل كبير في نهضة تلك البلدان وتحققت على أيديهم الكثير من الإنجازات التي غيرت حياة البشرية. وبحسب ورقة نشرتها جامعة هارفرد، فإن 25 % من رواد الأعمال في الولاياتالمتحدة لم يولدوا على أرضها، كما أن 40 % من مؤسسي أكبر 500 شركة عالمية هم من المهاجرين أو أبناء مهاجرين (الجيل الثاني)، فيما يشكل المهاجرون 10 % من المبتكرين والمخترعين عالمياً، ولذلك فإن ما يقارب 40 % من مجموع الفائزين بجائزة نوبل العالمية من العقول المهاجرة التي وجدت بيئة تقدر ألمعيتهم وتصقلها. استقطاب العقول وتوطينها استثمار كبير لأي أمة، والقرار الذي اتخذته المملكة جاء في وقت مناسب جداً، فنحن على أعتاب عصر جديد تصنعه الرؤية، ونحتاج فيه لأكبر قدر ممكن من المواهب والعقول الفذة لتأتي وتشاركنا صناعة المستقبل وتضيف لوناً جديداً في لوحة الوطن. ولأن الإبداع والمهارة والعبقرية في الغالب، تورث. ولأن أيضاً بيئة منازل العلم تصنع علماء، فإن أبناء هؤلاء وأحفادهم سيضيفون أيضاً لوطنهم الجديد. والجميل في القرار أنه لم يحصر المؤهلين في تخصص واحد؛ بل شمل عدة خبرات وحقول تنوعت بين الشرعية والطبية والعلمية والثقافية والرياضية والتقنية، ما يعني أن الوطن موعود بتشكيلة رائعة من العقول النيرة في مختلف التخصصات والفنون.