تعتمد مسيرة حياة البشر الحضارية في تقدمها وتطورها على سلسلة غير منتهية من النجاحات التي يقف خلفها أناس وهبهم الله تعالى مقدرة على الإبداع والاختراع والتطوير، وجعلهم بمثابة المحرك والباعث على النشاط والحيوية في المجتمعات. هذا أمر طيب، ونحن نشهد أمثاله وأمثلة عليه في حياتنا اليومية حيث هناك علماء أجلاء وأئمة وباحثون وطلبة علم وأطباء ومهندسون ورجال أعمال وغير ذلك كثير، وكثير منهم يقدمون خدمات جليلة لأمتهم ومجتمعهم بشكل يتجاوز أثره الزمان والمكان، حتى إن منهم من يبقى أثره حتى بعد وفاته، ونبقى نذكره، ونتداول أقواله وأفعاله، وفي هذا فائدة لنا وله، إن كان العمل صالحاً، فالعمل الصالح يبقى ثوابه دائماً وبدون أولئك المبدعين أو الناجحين بالتأكيد سيحدث مالا تحمده عقباه، وبقدر ما يكون عدد المهوبين أو المتاح لهم إبراز موهبتهم في المجتمع كبيراً بقدر ما سيتطور ذلك المجتمع ، والعكس صحيح ، ولذلك تتبارى المتجمعات والأمم في تقديم كل ما من شأنه أن يسهم في فسح مجالات الإبداع أمام الموهبين بشكل يستطيعون أن يخدموا به بلادهم، فهم ثروة وطنية هائلة بشكل لا يقبل الشك. في بلادنا والحمد لله لدينا الكثير والكثير من هؤلاء، وقد حبانا الله بإمكانات هائلة تستطيع أن تكون مجالاً للاستثمار بفضل أولئك الناجحين، وهذا مانراه، ونشهده، وحالياً بدأت تظهر إلى النور أماكن ومؤسسات تهتم بشؤون الموهوبين، وتستقطبهم، وتشجعهم، وتدفعهم للمزيد من النجاح والإبداع، ونحن كلنا أمل بأن نقوي تلك المؤسسات، وتحصل على الاستمرارية والدعم المطلوب بشكل يمكنها من القيام بدورها على أفضل وجه، لابل أن تصبح أماكن استقطاب للباحثين والمبدعين من أرجاء العالم الإسلامي قاطبة بحيث تصبح بلادنا نبع جذب للمفكرين والباحثين، وفي هذا سيكون نفع الأمة ككل، ونحن لا تخفى علينا كيف أن العديد من الدول وليس الكبرى فحسب لابل حتى دول أخرى صغيرة تسعى بشكل حثيث لاستقطاب وأخذ المبدعين وتوطينهم وجعلهم مصدر ثروة حقيقية وحتى لا أكون مبالغاً يجب أن أذكر بقضية هجرة العقول التي أصبحت تمسنا نحن بالتحديد، وحتى أكون واقعياً أكثر يجب أن أذكر أن دولاً مثل الولاياتالمتحدة قد بنت معظم تقدمها على العقول التي استطاعت جذبها ولا تزال تفعل ذلك، كما أن دولاً أخرى مثل كندا والسويد وأستراليا ونيوزيلنده وغيرها لا تزال تبحث ليل نهار عن ثروات بشرية موجودة عند غيرها لتأخذها بلاعناء وتصبح مصدر قوة وتقدم لها. كل ما تحدثنا عنه يعتبر جانباً، أما الجانب الآخر أو الأمر غير الطيب فهو أن هناك أعداء للناجحين، نعم فهذا حقيقة، والأسباب متنوعة، وكلها تؤدي بالمحصلة للجم عملية الإبداع، أو تحطيم صاحبها، أو أبعاده عن مجال الإبداع أو إشغاله بترهات لا تسمن ولا تغني من جوع، ومن الأسباب التي تكمن في تلك النفوس الضعيفة الهزيلة الحسد، وهذا أمر حقيقي، يحصل كل يوم، حتى إن الله سبحانه وتعالى يأمرنا أن نتعوذ من شر حاسد إذا حسد، والحسد هو تدمير لنفس صاحبه قبل غيره، وهو طامة كبرى وشر عظيم، ومن الأسباب أيضاً الفشل، فالشخص الانتهازي يحب النجاح لنفسه فقط، أو يدعي النجاح لنفسه ، أو أنه يسرق ما قدمه الآخرون ليقدمه على أنه إبداع نفسه وذاته بحيث ينال رضا رؤسائه وذوي الشأن، ويحظى بما يريد, وهناك أسباب أخرى منها الجهل بحقيقة المبدعين، أو الجهل بقيمتهم ومثال ذلك ما نراه في الكثير من الدوائر حيث يقف الشخص المبدع أمام الموظف ذليلاً يسمع ويرى الهوان، وإذا فتشت عن ذلك الشخص لوجدته أعلى قيمة ومكانة من ذلك الموظف بدرجات عديدة، والغريب بالأمر أن غالبية المبدعين عصاميون بمعنى اعتمادهم الكبير على الله ثم على أنفسهم، فتراهم يذهبون بأنسفهم لقضاء حاجاتهم أو شراء ما يريدون وبهذا يتعرضون لمواقف لا يحسدون عليها، وخصوصاً أن نفوسهم شفاقة، ولدينهم إحساس زائد بما يحدث من حولهم، وقال لي بعضهم: إن الحياة اليومية التي يعيشونها هي مبعث للعديد من إبداعاتهم، فالشاعر يكتب شعراً، والصحفي يملأ صفحاته بالنافع مما يشاهده، والأديب تزدهر قصصه بمعاناته، والعالم تزداد أبحاثه وكتبه. إن أعداء النجاح على درجات من العلم والثقافة، وكلما ارتقى عدو النجاح بالدرجات العلمية أو المراتب الوظيفية أو السلم الاجتماعي كان خطره أكبر، وعلى هذا أصبحنا نرى مديرين وأساتذة وحتى أشخاصاً كباراً في بعض المؤسسات والجامعات والهيئات قد طغت الغيرة والحسد على عملهم، فنراهم يحاولون جاهدين إبعاد شبح أي مبدع من الاقتراب منهم، خشية على مناصبهم أو غيرة من الذين يعملون بنفس مهنتهم، ومنظارهم الضيق، هذا يعتبر خطراً ليس عليهم فحسب بل على المجتمع ككل، وفي هذا إساءة للمؤسسة ولهيبتها ولموضوعيتها وعلميتها، وإنها لفرصة أن أؤكد على ضرورة كشف المعرقلين أو المسيئين مهما كانت صفتهم، لأن في ذلك تعرية للضرر، وبالتالي يمكن تجنبه بإذن الله، ومن ثم نحصل على المطلوب، وهو السماح للمبدع أن يبرز إبداعه، وأن يبدع أكثر. لقد أصبح فن تعليم الموهوبين علماً قائماً بحد ذاته، وأصبحت هناك دوائر خاصة تعنى بهذا الأمر في المجتمعات المتقدمة سواء من الناحية العلمية أو التدريسية أو من الناحية العلمية والتطويرية، وكما يقال بين العبقرية والجنون شعرة، وعلينا أن نحاول جاهدين ألا نقطعها فنحيل العباقرة مجانين,. والله من وراء القصد.