الناس كيانات مختلفة الأشكال والأحجام ومتفاوتة العقول والأرواح، كل إنسان له كيان متفرد بصفاته وأفعاله وحركاته، وتتحكم في شخصية الإنسان وحضوره وتعامله مع نفسه ومع الآخرين عددا من المحددات تشكل وجوده في أي مكان وتحدد الانطباع العام والسائد عنه. ولكن الغالبية العظمى من الناس تتحد وتتشابه وتتفق على صفة الإنسانية التي جعلها الله نعمة وأسكنها النفوس البشرية، لترتقي بتعاملاتها، ولتنجح في خوض مجريات الحياة التي رسمها الله لها منذ الخلق الأول للإنسان. ومهما وقع الاختلاف والتفاوت في درجات الإنسانية بين الناس، إلا أنه مما لا شك فيه، أن هناك خطوطا عريضة متفق عليها ضمنيًا ومتعارفًا عليها عالميًا، تكمن في الأنفس البشرية تقودنا بنو الإنسان إلى ترسيخ الخير ونبذ الشر، وترفعنا من حضيض الجهل والهمجية إلى مرتبة الإنسانية. ومما لا شك فيه أن للإنسان عقلا عظيما ومبدعا، أوجده الله فيه ليندمج مع مبدأ إنسانيته الراقية، فبإمكانه التعلم والتفكير لزيادة مقدار الإنسانية، في حال كان لديه بعض الإخفاقات إما لجهله، أو لظروف سيئة محيطه. وإن لم يتعلم من تلقاء نفسه، فسوف يتعلم بالإجبار بقوة القانون المحيط أو القوة التنفيذية. هذا يقودنا إلى القول بأن بعض الممارسات غير الإنسانية والتي قد تكون في محيط صغير كالأسرة أو في المجتمع الصغير، لا تتم ولا تستمر إلا بالتغاضي عنها، في حين لو أحكمت القبضة على أصحابها، لعادوا إلى فطرتهم وإنسانيتهم، حيث يقول الله تعالى في كتابه الكريم: «وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ» ومما يجدر الإشارة إليه، أن ما نجده من رقي التعامل والاحترام بين بني البشر أفرادا وجماعات يكون نابعا من إنسانية الخير التي خلقها الله وأوجدها في كل إنسان على وجه هذه الأرض، وأن من يخالفها لا يستطيع إلا في محيطه الصغير، وفي حين اندماجه في المجتمع المنظم الأكبر، فلن يفقد من إنسانيته شيء، وهذا دليل على إرادة الله في خلقه وما أراده للإنسان من تقدم وحضارة ورقي بفضل ما أودعه من إنسانية في البشر في كل زمان ومكان.