انطلقت، اليوم (الأربعاء)، أولى جلسات عمل "ندوة البركة" للاقتصاد الإسلامي، وحملت الدورة 43 عنوان "الاقتصاد الإسلامي وأصالة الاستدامة"، بجامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز في المدينةالمنورة، بمشاركة مختصين وخبراء عالميين تثري نقاشاتهم ستة مباحث رئيسة وأكثر من 20 محوراً فرعياً، على مدى ثلاثة أيام (15-17) مارس الجاري. وبدأت الجلسة الأولى تحت عنوان "مفهوم الاستدامة في الاقتصاد الإسلامي" بمشاركة عدد من الخبراء في الاقتصاد والشريعة الإسلامية، حيث ترأس الجلسة مدير إدارة الافتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بإمارة دبي أحمد الحداد، وقال إن الاستدامة التي جاءت عنواناً للندوة، دعا لها الإسلام في كل مطالبه ومقاصده وهي مصلحة اجتماعية، مبيناً أن ندوة البركة التي أسسها الشيخ صالح كامل -رحمه الله- مستدامة حيث يقوم أبناؤه بحمل الراية من بعده، مضيفاً أن مفهوم الاستدامة في الاقتصاد الإسلامي يقوم على التعمير وخدمة المجتمع وتتأصل فيه أخلاقيات المعاملات الإنسانية والإيمانية. وقدم أستاذ فقه المعاملات المالية في كلية الشريعة بالمغرب الدكتور محمد قراط، ورقة علمية تناولت محور "مفهوم الاستدامة وعلاقتها بمقاصد الشريعة الإسلامية الخمسة"، وطرح من خلالها أسئلة عدة تمحورت حول التنمية المستدامة والإجابة عليها بالدلائل الشرعية. وأشار إلى أن عمارة الأرض والاستخلاف لا يتعلقان بالحاضر فقط، ولكن بالمستقبل أيضاً، حيث يقوم الفرد بتحصيل معاشه ولغيره وكل من تعلق به مصلحة مما يرتبط بالتنمية المستدامة، لأنه أيضاً حفظ لحقوق الأجيال القادمة، مما يؤكد على أهمية الحفاظ على البيئة ومواردها. في حين أكد رئيس هيئة الفتوى والرقابة الشرعية لمصرف السلام بدولة الجزائر الدكتور عز الدين بن زغيبة بالورقة العلمية التي عنونها ب "منطومة الأخلاق الحاكمة وبعد الإحسان في العلاقات والتعاقدات" أن صلاحية الشريعة لكل زمان ومكان هو محل اتفاق، مستدلاً على ذلك بالربط بين منظومة الأخلاق ومنظومة التشريع بالدين الإسلامي وفق الأدلة والتطبيقات الفقهية، كما أن الإحسان إلى الناس وإقامته في التصرفات الاقتصادية تترتب عليه علاقات مستدامة تحقق المعارف العليا للشريعة. وتناول رئيس قسم الشريعة والقانون بجامعة الزيتونة بدولة تونس الدكتور إلياس دردور بورقته العلمية "قواعد المفاضلة بين الأعمال والسعي نحو الأكمل في الاقتصاد الإسلامي، مبيناً خلالها دور قواعد المفاضلة بالاقتصاد الإسلامي وفق عناصر الإنتاج والتبادل والاستهلاك والتوزيع، وأن الاقتصاد الإسلامي لا تتأسّس نظريته ولا تبنى عناصره إلا على ما أراد الشارع الحكيم. كما أوضح وكيل جامعة المجمعة الدكتور مسلم الدوسري في ورقة علمية بعنوان "تحقيق الاستدامة من خلال قاعدة دفع الضرر وتطبيقاتها" أن التعاملات المندرجة في الجانب الاقتصادي تأخذ المكانة العليا في مقصد الاستدامة؛ بها تتحقق استقامة أحوال الناس في الدنيا وصلاح شأنهم فيها، وبذا يتحقق المقصد الأعظم من ورود الشريعة والمتمثل في تحقيق مصالح الناس الدنيوية والأخروية، وإذا كان دفع الضرر معززاً للحفاظ على مقصد الاستدامة من جانب العدم، فلا شك أنه المؤثر في استقامة شأن التعاملات الاقتصادية، وضمان استمرارها. واختتمت الجلسة الأولى بورقة علمية للدكتور عمر حسين، الرئيس التنفيذي للمؤسسة الإسلامية الدولية لإدارة السيولة بعنوان "المقارنة بين مفهومي الاستدامة في الاقتصاد الإسلامي والفكر المعاصر"، حيث أفاد أنه على الرغم من أن التنمية المستدامة لم يناقشها الفقهاء المسلمون الأوائل كمفهوم، ولكن تم ممارستها على نطاق واسع وموثق في في المصادر الإسلامية. وأكد على أنه تماشياً مع المبدأ الإسلامي المتمثل في عدم إلحاق الأذى بجميع الشؤون المدنية والتعاقدية، يجب أن يكون هناك تحول نموذجي بين صانعي السياسات من استراتيجيات تحقق صفر مخلفات وانبعاثات ضارة بالبيئة والإنسان. إلى ذلك أكدت الجلسة الثانية لندوة البركة 43 للاقتصاد الإسلامي التي احتضنت أعمالها جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز بالمدينةالمنورة، أهمية "القطاع غير الربحي ودوره في تحقيق الاستدامة"، وأشارت إحدى الأوراق العلمية إلى أن الزكاة التي جمعت في إحدى الدول الإسلامية بلغت نسبتها ربع الناتج المحلي، وهي أكبر من المبالغ المخصصة للأعمال الإنسانية الأخرى. جاء ذلك خلال أعمال الجلسة التي ترأسها وزير المالية المصري الأسبق د. فياض عبدالمنعم، وتناولت الورقة الأولى التي قدمها د. أزمان محمد نور، و د.أشرف شرف الدين "من معهد التمويل الإسلامي، الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا" وعنوانها "إسهامات الزكاة والصدقات في التنمية المستدامة" الفرص التي تحققها الزكاة والصدقات، وذكر د. أزمان أن الزكاة تحقق كثيراً من الفرص، مشيراً إلى أن الزكاة التي جمعت في ماليزيا بلغت نسبتها 24٪ من الناتج المحلي، وهي أكبر من المبالغ المخصصة للأعمال الإنسانية الأخرى، لافتاً إلى أن أبرز المشروعات المطروحة خلق إطار لجمع وتوزيع الزكاة وذلك من خلال الذكاء الاصطناعي. وأشار إلى أن الوقف يقدم ما لا يقل عن 3 مليارات دولار سنويا، وأن التنمية تهدف لتلبية حاجة الجيل الحاضر دون المساس بحاجات أجيال المستقبل، ومفهومها شامل ومتوازن وعادل، مضيفاً "الصدقة إنفاق طوعي أما الزكاة فإنفاق إلزامي، وهناك للأسف من لا يعرف أنها إلزامية، وأنها تطهر من الطمع والشح وتعالج الأنفس من ذلك، ودافع الزكاة موعود بالنعم لأنه شكر نعمة الله، وكسر الفجوة بين الأغنياء والفقراء"، مشيراً إلى أن الاحتكار ينشأ عنه ربح محرم، وعلة عدم مشروعيته إلحاقه الضرر بالغير. كما ناقش مستشار المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة د. إبراهيم البيومي غانم، في ورقته "الوقف نموذج الاستدامة الفريد: بين الماضي والإمكانات المستقبلية"، مفهوم الاستدامة، واصفاً إياها بصرخة شكوى ضد الدمار بسبب توحش النظام الرأسمالي واعتدائه على البيئات والمجتمعات، وقال "نحن ضحايا لهذا الدمار، الذي يسبب اختلالاً بالعدالة، نحن نصطنع حواراً مع من لا يحاورنا، ويجب أن نصنع نماذج لمعرفة جديدة نافعة ومفيدة لا ترسخ تبعية المسلمين لأحد"، مشيراً إلى أن الممارسة الاقتصادية الإسلامية لها أنساق، منها السعي لتحقيق السبق والربح وأساسه العمل، وهناك ما يعرف بالمصلحة المرسلة التي تتحدد بالمناسب، والمناسب هو الذي لو عرض على العقول لتلقته بالقبول، ونسق العقلانية العامة لديها أداتان الزكاة والضرائب ولا يغني أحدهما عن الآخر. وقدم سيد سعيد باشا "مدير تطوير الأعمال بالغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة والزراعة في باكستان" ورقة علمية بعنوان "الوقف: نماذج من إمكاناته الحضارية: الوقف الأخضر نموذجا" عرض فيها لبعض المشروعات المستدامة؛ ومنها الاستفادة من أراضي الوقف في المشروعات الخضراء المفيدة مما يوقف التعدي على الأراضي، مشيراً إلى أن الوقف الزراعي ضارب في التاريخ الإسلامي وهو يهدف للعمل على استصلاح الأراضي الخصبة، من خلال الشراكة وتمويل المشروعات الخضراء، مستعرضاً بعض مشروعات الغرفة التي قامت على دراسات جدوى وأطر محددة، داعيا القطاع الخاص والبنوك التنموية للمساهمة في المشروعات المستدامة لأن الأثر سيكون خلاقاً، وذلك من خلال تحويل النقد الوقفي إلى دعم الأراضي، وإنشاء مؤسسات لإدارة الوقف تقوم بدراسة السوق "العرض والطلب" ورصد الأثر وقياسه، والوصول إلى الاندماج في جميع المشروعات المستدامة من خلال نماذج تمويلية مبتكرة. واختتمت أعمال الجلسة الثانية بورقة بعنوان "القرض الحسن ودوره في الاستدامة الشخصية والمجتمعية" قدمها كبير الاقتصاديين في بنك شريعة إندونيسيا د. نجاران سوريا الذي ذكر أن القرض الحسن يؤمِّن التكافل والاستدامة، فمفهوم الإحسان في الإسلام يمتد لكل شيء، وطموحنا عال، فدورنا دور الخليفة على الأرض، لذلك يجب أن تكون اتجاهاتنا متنوعة ومتعددة. من جهته، تحدث المعقب د. بشير ألايو عمر "عضو مجلس الخبراء الاستشاري في البنك المركزي النيجيري" عن الاستدامة وسعيها لتحقيق الفائدة للجميع عبر الأجيال، مبيناً أن الزكاة والوقف والقرض الحسن، ترمي لتحقيق المنفعة "والله يربي الصدقة ويمحق الربا، فالإنفاق خلف والإمساك تلف"، ومسألة العطاء هي التي تدفع الاستدامة، والإنفاق يزيد المال والبركة والخلف من الله عز وجل، منوهاً بأدوار الوقف الخيري الذي يحمل عنصر الاستدامة، ومستعرضاً التحديات التنظيمية والقانونية. أما د. برهان الطريقي "أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والإدارة في جامعة صفاقس" فأكد أن الاقتصاد الإسلامي يمكنه معالجة المشكلات الاقتصادية في البلدان الإسلامية، ويجب الاستعانة بالعلماء والمرجعيات الاقتصادية لتحقيق ذلك.