نتابع جميعا تجدد الجدل في منصات التواصل الاجتماعي حول نفقة الزوجة الموظفة، والمطالبات بإعادة طرح قضايا نفقتها والتزاماتها وتحديث الأحكام المتعلقة بذلك بما ينسجم مع أعراف العِشرة الجديدة، ومتطلبات العصر، وقد كان مجمل الأطاريح متسما بطابع المغالبة منحازا بالكلية للرأي المختار بعيدا عن النظر الفقهي والنظامي، ما أدى إلى تكلف الاجتهاد في استحداث مناطات ليست ذات قيمة وأثر في القضية أساسا، كمن يرى التلازم بين سقوط النفقة وسقوط ولاية الزوج وحق التفرد بالطلاق ونحو ذلك، وفي المقابل نجد من يبالغ في إثبات النفقة على أية حال بداعي القوامة الناشئة بمجرد العقد. وبالنظر إلى مقاصد الشريعة يظهر تغليب جانب المياسرة والإحسان والتكامل بين الزوجين، وتحمّل المسؤولية معاً في إدارة شؤون حياتهما وأسرتهما بعيدا عن المشاححة والتعسف في استيفاء الحقوق، مع الأخذ في الاعتبار الأصول والثوابت المنظمة للتعامل بينهما متى ما آل الأمر إلى المشاححة؛ فقد جعلت الشريعة للمرأة ذمة مالية مستقلة أسوة بالرجل تماما، وتعد نفقتها على زوجها أحد المداخيل الإيجابية وأصلا من أصول ذمتها المالية لما ورد في المادة الرابعة والأربعين والواحدة والخمسين من نظام الأحوال الشخصية، بينما لم يكن الصرف على الزوج أو المنزل خصما سلبيا لمداخيلها أو واجبا ماليا تطالب به إلا إذا نُص على ذلك في العقد على وجه التراضي، لكن لما كان استحقاق النفقة مقررا لأجل مقابلته بحقوق أخرى من جانب الزوجة كالتمكين المطلق والقرار في المنزل -حسب تعبير الفقهاء- كان ذلك مسوغا للاجتهاد في تقدير ومقايسة تلك الحقوق بعضها ببعض؛ فتشطّر النفقة القابلة للتشطير على قدر إخلال الزوجة بالحقوق المذكورة دون أن تسقط نفقتها بالكلية لأنها لا يسقطها شيء غير النشوز، وهو وإن كان متحققا جزئيا إلا أن ذلك لا يكفي لشطب أصل راسخ من أصول العلاقة الزوجية؛ نعم، ليس من العدل أن يدفع الرجل نفقة كاملة مقابل تمكين ناقص دون إذن أو عذر شرعي، ومن هنا جاء وجاهة القول بتشطير النفقة وتقديرها بقدر نقصان سببها وموجبها، سواء كان التقدير بالزمن بحيث يُحسب عدد الساعات التي لم يحصل فيها التمكين التام وينظر بالنسبة والتناسب مع مجموع ساعات اليوم، أو تنصّف في جميع الأحوال وهو المختار لدى بعض الفقهاء المعاصرين، وإذا كان هذا الجدل في نفقتها خاصة فمن نافلة النظر القول ببُعد الآراء التي تومئ إلى ضرورة تحميل المرأة شيئا من التكاليف الأسرية الثانوية باستثاء ما تطيب به نفسها وتحسن به إلى زوجها وأسرتها من باب المروءات وحسن العشرة.