لا يزال مُعدّو بعض مناهجنا الدراسية مصرِّين على تفسير (واضربوهن) في آية النشوز ضربًا بدنيًا، إذا لم يُجْدِ معها الوعظ والهجر في المضجع، وهذا ما ذهب إليه مُعدّو منهج «الفقه» للمستوى السادس، النظام الفصلي للتعليم الثانوي المسار العلمي والإداري للعام الدراسي 2018/2019، في درس «النشور» في الصفحات (88-91)، ولم يحاولوا الرجوع إلى معاجم اللغة العربية، والتمعّن في معاني الضرب في اللغة، لأنّ أغلبنا قد تربَّى على ثقافة ضرب الأنثى، ليس في حالة نشوز الزوجة فقط، بل نجد البعض يضربون البنت والأخت والزوجة في كل الأحوال، والبعض الآخر تتطاول أيديهم على أمهاتهم وخالاتهم وعمّاتهم، وظاهرة العنف البدني الأسري السائدة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية معظم ضحاياه من نساء الأسرة، ويجدون من مبررات المُعنِّفين لممارستهم هذا العنف التفسير الخاطئ لمعنى (واضربوهن)، بالضرب البدني، ليس للزوجة الناشز، بل لجميع نساء الأسرة! ولاشك أنّ بعض الخطباء ومعدي المناهج والبرامج الإذاعية والتلفزيونية الدينية ربّت الذكور عمومًا على ثقافة ضرب الإناث لأي سببٍ كان، وكيف لا، وهم قد تعلّموا في مدارسنا هذا الكلام: «ثالثًا» الضرب، وذلك حين يستنفد الزوج وسائل العلاج من الوعظ والهجر، ثم لا يرى لذلك أثرًا، فإن رأى -حينئذ- ضربها ناجعًا فله ذلك؛ وهذا يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص على أن يكون الضرب غير مبرّح، ويتجنَّب الوجه، لأنّ المقصود التأديب لا الإيلام.. (فقه المستوى السادس النظام الفصلي للتعليم الثانوي المسار العلمي والإداري للعام الدراسي 2018/2019، ص 89). بينما نجد معدي هذا المنهج يقولون عند نشوز الزوج في تفسير قوله تعالى: (وإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا).. نجدهم يقولون: «ونشوز الزوج أن يسيء معاشرة زوجته، ويقصِّر في حقوقها إمّا كراهةً لها، أو رغبةً عنها إلى غيرها، أو لغير ذلك من الأسباب، فإذا خشيت المرأة من نشوز زوجها، فليس هناك حرج عليها ولا على زوجها أن تتنازل له عن شيء من حقوقها المالية، أو الزوجية، كأن تترك له كل نفقتها الواجبة عليه، أو جزءًا منها، أو أن تترك له ليلتها، إن كانت له زوجة أخرى، هذا كله إذا رأت هي -بكامل اختيارها وتقديرها لجميع ظروفها- أنّ ذلك خير لها وأكرم من طلاقها».. (ص89). فالزوجة تعاقب بالضرب في حالة نشوزها لتأديبها، والزوج في حال نشوزه على زوجته تكافئه بتنازلها عن نفقتها كاملة أو جزء منها له، أو ليلتها لزوجته الأخرى إن كان معدِّدًا لإرضائه وعدم تطليقها، أي تقره على نشوزه، ولا يُطالب بالإحسان إليها والالتزام بحسن العشرة والإنفاق عليها ومنحها كامل حقوقها الزوجية والمالية، هل هذا يتفق مع ما أقره الله من عدلٍ إلهي؟!. للأسف بعض الذين يُفسِّرون ويستنبطون الأحكام؛ فسّروا آيات في القرآن الكريم طبقًا لأهوائهم ورغباتهم، فأغمضوا أعينهم عن المعاني اللغوية للضرب، وأيها الذي ينطبق على معنى (واضربوهن)، بينما نجدهم فسّروا آية نشوز الزوج بتنازل الزوجة المظلومة عن حق النفقة، أو المبيت لإرضائه وعدم تطليقها، مع أنّ الآية لا تحمل هذا المعنى الذي فسّروه، كما نجدهم يصدرون أحكامًا فقهية تعلي من شأنهم وتقلل من شأن المرأة، ونسبة هذا التمييز ضد المرأة إلى شرع الله، وشرعه تعالى بريء ممّا نسبوه إليه! ولنقرأ معًا آية نشوز الزوجة، ثم آية نشوز الزوج، ونتمعّن في معانيها الحقيقيْن لنصل إلى المعنى الصحيح لهما، ولنبدأ بِ(وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً). لا يمكن أن يأمر الله بإهانة الزوجات بضربهن عند النشوز، وتنازل الزوجة عن حقوقها عند نشوز الزوج. فتفسير النشوز بهذيْن المعنييْن المتنافيْن مع العدل الإلهي من الثغرات التي ينفذ من خلالها أعداؤنا لتشكيك أولادنا -معاذ الله- في العدل الإلهي، وفي الإسلام، لدفعهم إلى الإلحاد! للحديث صلة.