في آخر القرن الخامس عشر الميلادي كانت إيطاليا مزدهرة بما يسمى عصر النهضة، والتي حلّت محل القيم الدينية التي لم تعرف أوروبا غيرها مئات السنين، وصار الشخص يرى نفسه فرداً يملك حياته ومستقبله بدلاً من كائن مُسيَّر، برزت الآمال والطموحات، الرغبات والممتلكات، العقل والفن. تحرّرت أوروبا من قبضة الكنيسة، واتجهت نحو الدنيوية، ومن أسباب نبذ أوروبا للدين قرارات الباباوات ما بين 1470م إلى 1530م. لما بدأ عصر النهضة لم تكن ردة فعل البابا أن يستنكر اتجاه الناس للدنيا ويعظهم ليعودوا للدين، بل استغلت الباباوية هذا الاتجاه الجديد لتزداد ثراءً، وصارت الكنيسة تبيع كل ما يمكنها أن تبيعه، فباعوا صكوك الغفران والخلاص، حتى الكنائس، كانت إيطاليا ليست دولة واحدة كما اليوم بل دويلات متنازعة، فاتخذ الباباوات قرارات الانحياز للفريق الأقوى، وبسبب تقلّب النتائج تقلّبت ولاءاتهم، فتارة يؤازرون ميلانو، وتارة يدعمون فلورنسيا، ثم ينقلبون إلى البندقية، وهكذا، يحيكون الدسائس والمؤامرات والانقلابات بشكل لم يتوقف أبداً، وهذا ما جعل الدويلات عرضة لغزو الفرنسيين والإسبان والألمان. ماذا كان على البابا أن يفعل؟ الإصلاح، كما تقول المؤرخة "باربرا تكتمان"، كما نادت أصوات الناس آنذاك، لكن البابوية كانت عمياء، فساد الكنيسة بدأ من الأعلى وحتى أصغر عضو وهو قسيس قرية، رأى الناس الباباوات والقساوسة يغيبون عن مسؤولياتهم، يستحوذون على مناصب دنيوية كثيرة، متغطرسون على الكل، رجال الدين يتبخترون في معاطف الفرو محاطين بالحاشية، قساوسة الريف وأخلاقهم الهمجية الجاهلة، رؤوس الكنيسة يكرسون حياتهم للشهوات، والأدهى أن الكنيسة منعت انتقاد المسؤولين والرؤساء فيها! وتكميم الأفواه هذا زاد الناس حنقة، فظهرت جماعات دينية تُنكِر ذلك، وزادت الفتنة حتى ظهرت طائفة كبيرة هي البروتستانتية. البروتستانتية انفصلت عن الكاثوليكية (وهي الكبرى) وزادت انقسام الدين النصراني، وكان يمكن تفاديه ببعض العقل والأخلاق من قِبَل الكنيسة آنذاك، لكن كما تقول باربرا فإن هؤلاء مضوا في ما تسمية مسيرة الرعونة بإصرار مدهش انتهى بحروب مريعة جرت فيها الدماء مئات السنين واحترقت فيها أوروبا.