تأسست "كوداك" قبل ما يزيد على 130 عاماً، واعتمدت في شرارة نجاحها وقفزة صعودها على استمرار الابتكار، فهي من اخترع الفيلم القابل للف داخل الكاميرا، وهي من طوّر معدات التحميض ومكّنت المبتدئين من تحميض صورهم الضوئية بأنفسهم وغيره كثير، غير أنها مع تقدمها بالعمر تجاهلت الابتكارات الثورية في المجال، بل قاومتها بأفكار غريبة، فتهاوت وخرجت من السوق دون هوادة! بدأت القصة عام 1975م حينما استطاع ابن الشركة "ستيفن ساسون" تطوير أول كاميرا تستخدم حساسات إلكترونية تلتقط الصور وتخزنها رقمياً بدلاً من الفيلم التقليدي! كان وزن الكاميرا نحو 4 كلجم وتلتقط صوراً بدقة منخفضة؛ إلا أنها كانت قفزة هائلة في مسيرة التصوير الضوئي، فهي أول كاميرا رقمية على الإطلاق! للأسف لم يتفاعل المديرون التنفيذيون في الشركة مع هذه القفزة الثورية، كونهم وجدوا أنها تؤثر بقوة على نموذج عملهم الناجح حالياً، لم يرغبوا بشيء يهدد سيطرتهم الكاملة على الوسائل التقليدية، ولكن بعد ست سنوات فقط طرحت "سوني" كاميرا "مافيكا" الرقمية بدون فيلم، والتي تعرض الصور على شاشة التلفزيون وتطبع الصور مباشرة على الورق! وبدأت تلتهم السوق تدريجياً ثم توالت المنتجات الأخرى، لم تقرأ "كوداك" هذا التغير بشكل صحيح، ولم تدرك أنه سوق يُقصيها تدريجياً عن سوقها الذي سيطرت عليها أكثر من قرن متواصل! الكثير يتمسك باستراتيجيته الحالية كونها تحقق نتائج ونجاحات على أرض الواقع الآن، دون أن يدرك أن الابتكار حتماً سوف يسبقه ويجعله ذكرى من الماضي إذا لم يتفاعل مع المتغيرات ويسبقه بالابتكار المتقدم، وهو بالتحديد ما فشل في قراءته قيادات "كوداك"، آمنوا أن هذا التغيير سوف يؤثر سلباً على حصتهم التي كانت تمثل 90 % من مبيعات السوق الأميركي، فقد كانوا يتبعون استراتيجية تركز على بيع كاميرات وأوراق تحميض رخيصة الثمن في كل أنحاء العالم، ورغبوا الاستمرار في ذلك. بعد نحو عشر سنوات من طرح أول كاميرا رقمية رضخت "كوداك"، وحاولت التمشي مع هذا التطور، لكن إرث المئة عام جعل الأمر صعباً وبطيئاً، فتفتقت الفكرة بدمج تقنية تحميض الأفلام الكيميائية مع التقنية الرقمية الجديدة عبر إنتاج كاميرا شبه رقمية! لم تستطع "كوداك" قبول التغيير الجذري واختارت التغيير التدريجي، بعد فشل الفكرة طُرحت كاميرات رقمية حقيقية، ولكن التركيز بقي على الطباعة كونها الطريقة الوحيدة لحفظ الصور بدلاً من حفظها رقمياً كما الكاميرات المنافسة! رغم تقلص حصتها سنوياً استمرت الشركة تحقق نتائج إيجابية حتى عام 2008م، ولكن كل ذلك كان مجرد مبيعات الأنفاس الأخيرة، فالعملاء انتقلوا إلى حلول أخرى وأضحى تحميض الأفلام مجرد ذكريات، بحلول عام 2012 لم يكن أمام الشركة من خيار سوى إعلان الإفلاس! ولك أن تتعجب أن الشركة التي بنيت على الابتكار، كان مقاومتها للابتكار هو سبب انتهاء أسطورتها!