يعد الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي من أعقد وأكثر الصراعات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، قسوة وعنفاً ودموية وظلماً وعدواناً، وأدى لحدوث سلسلة من التحولات السياسية والجيو استراتيجية والتوازنات والعنف والتطرف في المنطقة والعالم، دفع ثمنه الشعب الفلسطيني الذي احتُلت أرضه واستشهد شعبه أمام العالم الذي ظل يتفرج ولم يحرك ساكناً، ووسط صمت مريب من المجتمع الدولي الذي وقف مكتوف الأيدي أمام إمعان الاحتلال في قتل وإبادة شعب بأكمله. وحرصت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا على الدفاع عن الحقوق الفلسطينية المشروعة، وأضحت القضية الفلسطينية من أولويات وثوابث السياسة الخارجية السعودية، التي تتمسك بتسوية الصراع وفق قرارات الشرعية الدولية وتطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة. وليس هناك شك أن قوات الاحتلال تتحمل مآسي الشعب الفلسطيني جملة وتفصيلاً، إلا متاجرة الفصائل الفلسطينية وإطلاقهم الشعارات الجوفاء التي لم تحرر أرضاً ولم تُرجِع حقاً وتسبَّبت في الكثير من الخسائر والمعاناة للشعب الفلسطيني وللأمة العربية والإسلامية. صحيح أن ردة فعل الفصائل الفلسطينية في غزة، على مقتل تيسير الجعيري، بإطلاق رشقات صاروخية استهدفت مدن تل أبيب وأشدود وأشكلون أدى لحدوث هلع ورعب داخل الأوساط الإسرائيلية، ولكن الأكثر صحة، أن مثل هذه الرشقات لن تستطيع مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية الغاشمة الضخمة، وشاهد الجميع طبيعة العدوان الإسرائيلي على غزة، وحجم الأضرار في الأرواح والممتلكات؛ وخلال الحقب الماضية أيضاً، حيث دفع الشعب الفلسطيني الثمن كونه الطرف الأضعف في معادلة القوى. مصادر في الرئاسة الفلسطينية دانت في تصريحات ل"الرياض" العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة مطالبة بوقفه فوراً، وحملت قوات الاحتلال مسؤولية هذا التصعيد الخطير مطالبةً من المجتمع الدولي إلزام إسرائيل بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني في غزة الذي يواجه آلة حرب إسرائيلية بربرية. وليس هناك رأيان أن مسؤولية كبيرة تقع على الأممالمتحدة، ليس فقط التعبير عن الإدانة لهذه الهمجية الإسرائيلية، ودعمه للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، في العيش في دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية بل وقف الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، لأن هذا التصعيد سيؤدي لتهديد السلام والأمن الإقليمي والدولي، والفلسطينيين في نفس الوقت لن يتنازلوا عن حقوقهم الوطنية المشروعة التي أقرتها القرارات الدولية على امتداد العقود والسنوات الماضية. ومن الأهمية وقف إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل فوراً بحق الشعب الفلسطيني وضرورة بناء موقف عربي فاعل لدعم الشعب الفلسطيني في تصديه للغطرسة الإسرائيلية. وعلى العالم أن يدرك أن استمرار إسرائيل بهذا النهج العدواني تجاه الشعب الفلسطيني، سيقود المنطقة والعالم لمزيد من الفوضى والتطرف وعدم الاستقرار، وعلى المجتمع الدولي أن يدرك أن لا حل للقضية الفلسطينية إلا من خلال حل الدولتين ووفق قرارات الشرعية الدولية وبما يمكن الشعب الفلسطيني من حقه في إقامة دولته المستقلة، ولا يمكن لإنسان عاقل ومتزن يحاول تحليل السلوك الدموي الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين، إلا أن يخرج بنتيجة مهمة تتلخص في أن ما يحدث جريمة بحق الإنسانية، كما أنه جريمة حرب دولية تستدعي الملاحقة والمحاكمة. لقد مرت على القضية الفلسطينية، قيادات فصائلية فلسطينية، منها من ساهمت في تعزيز وتقوية ودعم صمود الشعب الفلسطيني قولاً وفعلاً، ومنها من زايدت على القضية، كونهم كانوا يستخدمون القضية لتحقيق مصالحهم الذاتية، ما أدى إلى إلحاق خسائر سياسية فادحة يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني وأجياله القادمة. صحيح أن المرحلة دقيقة جدًا، والأكثر صحة أن على العقلاء في المحيط الفلسطيني أن يدركوا أنه من الضروري إعادة تقييم الوضع على الساحة الفلسطينية بالإجمال، والاستفادة من التجارب الماضية، وإعادة التموضع وفقاً لمقتضيات المرحلة الجديدة، والتمسك بالثوابت والحقوق المشروعة، وترتيب البيت الفلسطيني من الداخل لمرحلة مختلفة تماماً؛ لأن هناك عناصر ومستجدات في قواعد اللعبة، ولا بد من تقليل الخسائر، ووضع السيناريوهات للمرحلة الجديدة، مع التمسك بقرارات الشرعية الدولية. لقد لعبت إسرائيل دوراً محورياً في وضع العراقيل أمام التسوية للقضية المركزية للعالم العربي؛ إلا أن صناع القرار الفلسطيني، لم يستطيعوا التعامل الدقيق للمشروع الصهيوني، رغم أنهم أدركوا مخاطره مبكراً، ولكن لم ينجحوا لأنهم لم يكن لديهم خطة عمل سياسية طويلة المدى قادرة على تحقيق أهداف ولو محددة، باستثناء حالات قليلة ولفترات قصيرة. وما كانت تفتقر له العقول الفلسطينية هو وضع أهداف مرحلية قصيرة الأجل يمكن تحقيقها في إطار خطة تراكمية تحقق الأهداف الكبرى الإستراتيجية، بالإضافة إلى ضعف القدرة على خلق تحالفات محكمة على الساحة الدولية. ولا أحد يمكن أن يتجاهل واقع القضية الفلسطينية الصعب، فإسرائيل تعيش أفضل حالاتها، من زاوية حضورها الإقليمي والدولي، وفي الصناعات الأمنية. ولكن بالمقابل فإن معظم دول العالم تعرف، وهذه نقاط ضعف مهمة، بأن إسرائيل دولة عنصرية، دولة احتلال وعدوان، وأن في داخلها مجتمعاً هشاً مليئاً بالتناقضات. ولكن المهم في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، هو ماذا يريد الفلسطينيون وكيف يصلون له؟ ليس ثمة وحدة شاملة في الساحة الفلسطينية، فعلى سبيل المثال، هل ما تريده الفصائل الفلسطينية يختلف عما تريده الرئاسة الفلسطينية؟ وقد يتفقون على المبدأ ولكن هناك اختلاف جذري في التنفيذ ونجم عن ذلك إفشال إسرائيل لعملية السلام وإصرارها على المضي بسياسة الاحتلال والاستيطان. وفي نفس السياق يأتي سؤال، أي شكل من أشكال المقاومة يريدون؟ هل هو الشكل العسكري المسلح أم الشعبي السلمي أو كلاهما معاً ولكن ضمن خطة متفق عليها وطنياً؟ وفي ظل وجود الانقسام أيضاً لم يتم إيجاد رؤية موحدة حيال هذا الأمر حيث يتحرك كل فصيل برؤيته الخاصة. إن المشكلة الرئيسة تكمن في مسألة الانقسام، وليس لدى أحد وصفة سحرية لإنهاء الانقسام ولكن الحل هو في تشكيل إرادة وطنية لإنهائه وإعداد خطة بأهداف يمكن تحقيقها. وما أشبه اليوم بالبارحة، ها هي منظمة الأممالمتحدة تواصل ذات النهج المتناقض مع مرتكزات قوانينها ومواثيقها ومعاهداتها وتكتفي بالاستنكار والقلق لما يجري من عربدة إسرائيلية، كما فعلت مع نشوئها حين ورثت صك الانتداب البريطاني، ونفذت بالحرف أهدافه وغاياته الإجرامية، وفي الوقت ذاته تخلت طوعاً عن مهامها الأممية لخدمة أغراض الحركة الصهيونية عندما لم تعر أي أهمية لتنفيذ الجوانب المتعلقة بمصالح وحقوق الشعب العربي الفلسطيني في القوانين الدولية، التي تبنتها وأصدرتها ومنها قرار عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم وتعويضهم عن نكبتهم وخسائرهم، وبقيت تتعامل مع دولة المشروع الصهيوني الاستعمارية كدولة "شرعية"، مع أن نصوصاً واضحة في أكثر من قرار ومنها القرار المذكور آنفاً، أن اعترافها بإسرائيل مرهون بتنفيذ قرار عودة اللاجئين الفلسطينيين، وإقامة الدولة الفلسطينية، ولا يمكن الرهان على الأممالمتحدة، كون قراراتها المؤيدة والداعمة للحقوق الفلسطينية، والتي تجاوز عددها ال800 قرار، تراوح مكانها في أدراج المسؤولين وعلى أرفف المنظمات والقائمين على مراكز القرار من القيادات المتعاقبة في هيئة الأممالمتحدة منذ العام 1947.