يتقاطع العالم الحديث نظريتان: * نظرية الفرد -ونظرية المجتمع فكثير اً ما يثار التساؤل في كثير من المجتمعات: هل الفرد مقدم على المجتمع أم أن المجتمع مقدم على الفرد؟ حيث تتبنى الولاياتالمتحدة الأميركية ومعها دول الغرب الصناعي نظرية تقديم الفرد على المجتمع انطلاقًا من الفكر الليبرالي الذي جعل للفرد السيادة والأولوية على المجتمع، فجوهر الليبرالية يقوم بالتركيز على الفرد فهي كأيدلوجيا تضع ثقلها في الحرية والفردانية، ولذلك جعلت الليبرالية الفرد غاية بذاته رافضة جعل إرادة الفرد امتدادا لإرادة الجماعة. فالمفكر إيريك فروم: يرى أن عصر النهضة الأوربية قوض أركان النظام الطبيعي وجاء بالفرد الحديث وعند ذلك شاع مبدأ الفردانية. في حين أن الصين، وبعض بقية العالم تتبني نظرية تقديم المجتمع على الفرد، معتبرة قيم المجتمع مقدمة على قيم الفرد وترجع في هذا تاريخياً إلى تعاليم كونفوشيوس وإلى الواقعية المثالية العميقة والأخلاق الاجتماعية الصينية والتي تنسجم مع التعاليم والفلسفات الصينية. ففي عرف الثقافة المجتمعية الصينية أن الفرد أساس المجتمع. إلا أن التراث الغربي يرى أن الفردانية تمثل الأساس الفلسفي للفكر الليبرالي، وإن كان المفكر تومسان جيران يرى أن الفرد لا يمكن أن يحقق ذاته إلا من خلال دوره في المجتمع، إلا أن النظرية الكينزية والتي ظهرت على يد اللورد البريطاني جون مينارد كينز عابت على الليبرالية إظهار الفردانية بصورة مبالغ فيها بالنسبة للمجتمع. فقد قامت الليبرالية على تطوير مفهوم الفرد عما كان عليه في الحقبة الإقطاعية التي سادت أوروبا، فقد كانت البنية الاجتماعية آنذاك تتمثل في الأسرة والمجتمع المحلي والطبقة الاجتماعية، وكانت هوية الفرد تتحدد من خلال تلك المجموعات والفئات المجتمعية، فعندما انهار النظام الإقطاعي الأوربي واجه الفرد خيارات وأولويات اجتماعية أتاحت له فرصة التفكير في الذات بشكل فردي وأعيد صياغة العلاقة ما بين الفرد والمجتمع لصالح الفرد على اعتبار أن المجتمع يتشكل من مجموعة من الأفراد ذوي الاكتفاء الذاتي، يعتمد فيه كل فرد على نفسه. ولم تستمر تلك النظرة الفردية لفترة طويلة بسبب نتائجها السلبية على الفرد مما دفع الفكر الليبرالي أن يعيد طرح فكرة تتواءم مع الطبيعة الإنسانية وذلك من خلال التأكيد على أن الأفراد لديهم مسؤولية اجتماعية تجاه بعضهم البعض. ومع ذلك يمكن القول إنه على الرغم من الاختلاف في الرؤى المطروحة فقد أجمع الليبراليون على الرغبة في خلق مجتمع يكون فيه كل فرد قادرًا على تنمية قدراته لأقصى درجة ممكنة بشرط أن يتمتع كل فرد بحقوقه الطبيعية. ففي بداية عصر النهضة وانهيار النظام الإقطاعي تاقت العناية بالفرد واحتياجاته واحترام اختياراته ورغباته وذلك بتقوية مركز الفرد في المجتمع حتى صار ذلك سمة ظاهرة لعصر النهضة. عندها نشأ ما يسمى بالمذهب الفردي والذي هو عبارة عن مذهب فكري سياسي ينطلق من اعتبار الفرد وأعماله وآماله أساسًا في تفسير التاريخ والظواهر الاجتماعية. وتعود عوامل ظهور المذهب الفردي في الغرب إلى الثورة الصناعية والتي أحدثت تغييرًا كاملًا في صورة المجتمع وإلى تحالف الرأسمالية مع الليبرالية في تدويل الطابع الفردي. ومن هنا كانت الفردانية مكونا أساسيا للفكر الليبرالي، وأحد المسلمات لهذا الفكر. وقد أخذ المذهب الليبرالي بالفردانية بوصفها قيمة أساسية في بنائه الفكري باعتبار أن الفرد هو الأساس بالنظر إلى أن مصلحة المجتمع تتحقق من خلال مصلحة الفرد. فالفكر الليبرالي في الدرجة الأولى دعوة إلى الفردانية وهذه الفردانية وفق المفهوم الليبرالي، تشكل القاعدة التي يقوم عليها المجتمع، فالمجتمع مكون من مجموعة أفراد، والفرد لبنة في البناء الاجتماعي، إلا أن ما يعانيه الفرد في المجتمعات الحديثة عندما تقوم الثقافة المجتمعية بتذويبه في الكيانات ذات الهويات الطائفية والمذهبية والعرقية أو صبه في قوالب ثقافية، وفي هذه الحالة يجرد المجتمع أفراده من قيمتهم الإنسانية ويكونون خاضعين لتلك التصنيفات المجتمعية والمذهبية. ولكن الموقف الأمثل حيال قضية الفرد والمجتمع هو احترام حرية الفرد الأساسية وتقييم خياره النهائي من النواحي التي تهم المجتمع وتقييم الآثار التي تترتب على هذا الخيار سلبًا أو إيجابًا. هذا من ناحية الفرد. ومن ناحية أخرى هنالك كثير من الظواهر الفردية التي قد تشكل - عندما تتكاثر ويتراكم أثرها - ظواهر اجتماعية تدرس من حيث أثرها على المجتمع، وينظر إليها من حيث كونها تيارًا اجتماعيًا، وهل الأثر النهائي لهذا التيار الاجتماعي على وفاق مع قيم المجتمع الذي يعمل فيه، أم أنه أثر سلبي يؤدي إلى خلخلة الأسس التي يقوم عليها المجتمع أو على الأقل يؤدي إلى اضطراب المعايير الاجتماعية وتنشيطها في اتجاه الاختلال وعدم التوازن؟ هذا ومعروف أنه من حق المجتمعات أن تعمل على حماية كياناتها والحفاظ على شخصيته المميزة بالصورة التي يجمع عليها أفراد تلك المجتمعات من غير مساس بالحق الأساسي للفرد. وحق المجتمع قد يقدم على حقوق الأفراد غير أنه يتأكد ويتعزز بتأكيد حقوق أفراده ولكن تبقى علاقة الفرد بالمجتمع علاقة تكاملية وتفاعلية.