نمارس السرد لأنه يشعرنا بالحرية، الحرية في خلق آرائنا دون تحرج أو تكلف، ويعيدنا إلى طبيعتنا المسلوبة من قِبل العلم ومنطقه، فنشعر مع السرد أننا على قدرة كبيرة من التفاعل والحياة؛ الحياة التي تقتضي أن نولد فيها قدراتنا الوجودية، فنحكي كي نثبت لأنفسنا وللآخر أننا قادرون على التفاعل والإبداع، فنمثل مافي داخلنا كي ننقله للآخر، ونمارس الرقص اللغوي دون أن نقصد وهو ما يشعرنا بالجمال، وكما هو مقرر في النقد «إن كل تمثيل هو ضرب من التمثيل» فنغطي الحدث الذي مهما كان مكتملاً في تصورنا فإنه لابد سيكون منقوصاً، نغطيه بالتأويل والإقناع، كأن نفسر لقطة غامضة وسط القصة بتأويلها للسامع كي تكتمل السردية عنده فنشعر أنه يشعر بشعورنا تجاه القصة، وإن حدث هذا وشعرنا بهذا الشعور فإننا نعود إلى طفولتنا فنفرح وننتشي وكأننا حققنا إنجازاً عظيماً، وقد يصل فرحنا إلى إعادة المقطع الذي رويناه مرة أخرى، أو الإتيان بقصة أخرى مشابهة للتي أفرحتنا، وكل ذلك ممارسة للطفولة التي لا نريد أن نكبر عنها. السرد يجعلنا نشعر بالآخر، بأننا وهو لا ننفك عن بعضنا، بأننا لابد وأن نشترك في صناعة لحظة الحضور، ونحن قد نكذب كي نحقق هذا الشعور الجميل، وقد نغتاب غيرنا ليس سوءًا فينا بل حباً في صناعة لحظتنا مع الآخر الذي نحبه، ويمكننا القول؛ كلما زاد حبنا لشخص معين، تمردنا على القيم أثناء سردنا له ! السرد يعلمنا كيفية البقاء في هذا العالم الهش المادي، يعلمنا صناعة الواقع حسب استطاعتنا فلا نتكلف خيال غيرنا، وهو بهذا ينمي لدينا قدرة الثقة في النفس ومدى عطائها ورغبتها في الديمومة.