تفرض معاناة سكان محافظة تعز اليمنية نفسها محوراً رئيسا في جميع التحركات والجهود المحلية والدولية المتعلقة باليمن في الوضع الحالي، خصوصاً بعد مبادرة التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والحكومة اليمنية، للسماح بدخول سُفن المشتقات النفطية، وفتح مطار صنعاء الدولي، والموافقة على تمديد الهدنة شهرين إضافيين. فيما لا تزال ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران تفرض حصارها الخانق على مدينة تعز وترفض تنفيذ التزاماتها المتعلقة بفتح الطرق الرئيسة من المدينة وإليها. وقادت المملكة جهوداً دبلوماسية وإنسانية للفت أنظار المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والأممية لمعاناة سكان تعز المُحاصرة، وأحدثت زخماً دولياً للمطالبة برفع الحصار عن المدينة وفتح الطرقات الرئيسة. كما حرصت المملكة على طرح ملف تعز ضمن اتفاق الهدنة الأممية، والذي نص على عقد اجتماع بين الحكومة اليمنية والميليشيا للاتفاق على فتح الطرق في تعز. ومع استمرار تعنت الميليشيات وإصرارها على تشديد الحصار على تعز وعندما رفضها تسمية مُمثليها، دعا صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز نائب وزير الدفاع الأممالمتحدة والمجتمع الدولي إلى لعب دور محوري مهم للضغط على الميليشيات لفتح الطرقات الرئيسة من وإلى تعز المُحاصرة. كما بحث في أواخر مايو الماضي مع المبعوث الأميركي الخاص لليمن تيم ليندركينغ الأوضاع والحصار على تعز وضرورة تقديم مقترحات سلام مدعومة من الأممالمتحدة لممارسة الضغط على الميليشيا بهذا الشأن وكذلك بخصوص إيرادات ميناء الحديدة. وعقب ذلك، توالت الدعوات والإدانات الدولية والأممية للتنديد باستمرار الحصار على تعز والمطالبة بفتح الطرقات الرئيسة للتخفيف من معاناة السكان، إذ شددت كل من الولاياتالمتحدةوبريطانيا وفرنسا وروسيا وهولندا والسويد والأممالمتحدة على ضرورة فتح الطرق والمعابر الرئيسة في تعز. وشكلت الجهود الدبلوماسية السعودية واتصالاتها مع الفاعلين الدوليين، ضغطاً مهماً، وبدأت المحادثات اليمنية متأخرة عن موعدها الذي كان مقرراً مع بداية الهدنة الأولى في مطلع إبريل الماضي، لكنها تأخرت بسبب تأخر قيادة ميليشيات الحوثي في رفع أسماء مُمثليها إلى 23 مايو الماضي، ولم يتبق حينها سوى ثمانية أيام من الهدنة الأولى قبل أن يتم تمديدها شهرين إضافيين. وبادرت الأممالمتحدة بإرسال طائرة أممية خاصة إلى صنعاء المُحتلة، لنقل مُمثلي الميليشيا إلى العاصمة الأردنية عمّان، بتنسيق مع التحالف العربي الذي حرصت قيادته على توفير جميع التسهيلات أمام جهود المبعوث الأممي ولإنجاح المشاورات. وفي 25 مايو الماضي، انطلقت أولى جلسات المحادثات المباشرة، بين وفدي الحكومة اليمنية والميليشيات برعاية أممية وتحت إدارة وإشراف مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ، وسط إشادة دولية واسعة. وخلال الجلسة الأولى تقدم وفد الحكومة اليمنية بطلب فتح جميع الطرق الرئيسة التي كانت مفتوحة قبل اجتياح الميليشيا لتعز في 2015، لكن الوفد الحوثي رفض رفضاً قاطعاً. وبين مطالبة فريق اليمن بفتح جميع الطرقات الرئيسة، ورفض وفد الميليشيات، تدخلت الوساطة الأممية عبر غروندبرغ بمقترح وسيط، وينص على فتح الطريق الرئيس الذي يمر عبر منطقة "سوفتيل" وثلاث طرق أخرى، على أن يتم فتح بقية الطرقات الرئيسة بشكل تدريجي وتحت خطة تشرف عليها الأممالمتحدة. بادر وفد الحكومة اليمنية بالموافقة على مقترح المبعوث الأممي، ورفضه وفد الحوثيين، ما أدى إلى تجمّد المحادثات بعد أسبوعين من انطلاق جلساتها. واضطر المبعوث لإجراء زيارة خاصة إلى صنعاء القابعة تحت سيطرة الحوثيين في 9 يونيو الجاري، سعياً لإقناع قيادة الميليشيات بالموافقة على خطته وتنفيذ التزاماتها تجاه الهدنة الأممية، التي نصت في أحد بنودها على فتح الطرقات الرئيسة المؤدية إلى محافظة تعز، للتخفيف من معاناة السكان المحاصرين فيها منذ ثماني سنوات. وبعد أكثر من أسبوعين على زيارة المبعوث الأممي إلى صنعاء ومحاولته إقناع قيادة الميليشيا بالموافقة على مقترحه، جاء الرد من قبلها رسمياً برفض المقترح الأممي بفتح أربع طرق تعز المحاصرة. وفي تصريح ل"الرياض" قال نبيل جامل عضو الفريق الحكومي المفاوض: "موقف المبعوث الأممي لم يرتقِ للمستوى المطلوب باستخدام أوراق ضغط على الميليشيا"، مشيراً إلى أن غروندبرغ ظل أكثر من أسبوعين من تاريخ زيارته إلى صنعاء ينتظر رد الانقلابيين على خطته، وعند وصول الرد كان موقفه سلبيا ومخيبا لكل التوقعات. وبين جامل أن فريق الحكومة اليمنية بادر بالموافقة على مقترح المبعوث الذي ينص على فتح طرق شبه رئيسه على أن تفتح بقية الطرق الرئيسة تدريجياً، فيما بلغ صلف الحوثيين وتعنتهم حد أنهم وبعد أسبوعين، أبلغوا المبعوث الأممي إصرارهم على التمسك بالطرق الفرعية الترابية بدلاً من مقترحه بفتح الطريق شبه الرسمي. وفي سياق تصريحه ل"الرياض" دعا عضو الفريق الحكومي المفاوض، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، غروندبرغ إلى إبلاغ مجلس الأمن والعالم بأن الميليشيا عرقلت فتح الطرق الرئيسة ورفضت مقترح الأممالمتحدة لفتح طريق تعز، وأنها تعمل على استهلاك زمن الهدنة الثانية بنفس الطريقة التي استهلكت بها زمن الهدنة الأولى. وطالب جامل المبعوث الأممي للإعلان بأن الميليشيا ترفض السلام وتتنصل عن التزاماتها تجاه الهدنة وتهدد استمرارها، إذ أن الاتفاق الأممي الذي وقع في الأول من إبريل الماضي، يمثل مصفوفة واحدة، متسائلاً "كيف يتم تنفيذ الثلاثة البنود التي تخدم الميليشيا ويتم التلاعب بالبند الرابع المتعلق بفتح طرق في تعز وبقية المحافظات، مما يدلل أنها لا تريد السلام ولا تعرف مفردات السلام". وأوضح جامل أن الميليشيا ومن خلال رفضها لمقترح المبعوث الأممي التلاعب بالألفاظ وتقديم مقترحات جديده لطرق فرعية كانت موجودة في مقترح المبعوث الذي رفضه، ناهيك عن أن تصميمها على فرض إرادتها الأحادية وإلغاء كل الطرقات الرئيسة التي طالبت بها الحكومة اليمنية، يدلل أنها تفهم التفاوض بالموافقة على ما تمنحه للآخرين". وأضاف "الميليشيا توصل من خلال ذلك رسالة تفيد أن استمرار الهدنة والرحلات واستمرار دخول السفن لا يهمها، لأن ذلك يشكل من وجهة نظرها تطبيعاً للحياة وتمهيد لمرحلة السلام وهي لا تريد ذلك كونها تعتبر السلام ووقف الحرب تهديدا لها"، داعياً المبعوث الأممي والفاعلين الدوليين إلى أن يستخدموا العصا كما استخدموا الجزرة، ويمارسوا ضغوطاً جادة على الميليشيات وممولها وإجبارها على الرضوخ للسلام وفتح الطرقات ورفع حصارها على اليمنيين. إلى ذلك قال مندوب اليمن الدائم لدى الأممالمتحدة، السفير عبدالله السعدي، إنّ الحصار الحوثي على تعز والمعاناة المستمرة للسكان جراء الحصار، تتطلب من الأممالمتحدة تسليط الضوء على هذا الأمر وأبعاده الإنسانية، ودعم جهود المبعوث الخاص إلى اليمن، والضغط على الميليشيات للتنفيذ الكامل لبنود الهدنة الأممية، بما في ذلك رفع الحصار عن تعز وفتح الطرقات الرئيسة. من ناحيته قال السفير اليمني لدى بريطانيا، د. ياسين سعيد نعمان، إنّ رفض مقترح المبعوث الأممي بشأن فتح الطرق إلى تعز، ما زال يطبخ ليتم إخراجه بطريقة تشفع للجهات الدولية المختصة تجنب المواجهة مع الميليشيات، مضيفاً "المهم إدراك الجميع أنّ الحوثي مرتاح باستمرار الحرب".