تحقق حلمي بأن «}» تتصفح ملامحي وملامح مكتبتي للمكتبات مع أصحابها قصصٌ ومواقف وأيضاً طرائف وأشجان تستحق أن تروى، «الرياض» تزور مكتبات مجموعة من المثقفين، تستحث ذاكرة البدايات، وتتبع شغف جمع أثمن الممتلكات، ومراحل تكوين المكتبات.. في هذا الحوار الكُتبي نستضيف شاعرة وكاتبة سعودية في مكتبتها الخاصة التي تضمّ مئات الكُتب، بعضها قديم قدم انتمائها للقراءة وقِدم الميول التي كانت تحفّزها للاطلاع وتغري حبّها الشديد للمعرفة، وبعضها الآخر جديد شدّها الموج إلى مرافئه حين تحررت من قيود الجمود، وتأطير مصادر المعلومة، وحاكت من خيوط الشمس عباءة من نور تضيء دربها في مسيرة جميلة، بدايتها قراءة وبحث، ونهايتها «شِعر» تمخض عن ديوانين ورواية.. إنها مكتبة جميلة في منزل الأديبة تهاني بنت حسن الصُّبيح تعدها بيتاً ثانياً لها داخل بيتها تسكنه حين تشتتها هموم الحياة، وتلوذ به حين تقسو عليها ريحُ الزمن، مكتبة جمعت كتبها عبر مراحل عمرها، وصنعت من محتواها المعرفي عالماً جميلاً جعلها تؤمن بالعالم الحقيقي كمرايا توزعها ضوءاً في كل مكان، ونافذة تطلّ على كون جميل من التسامح والمحبة. * في أيِّ مرحلة من العمر تعرَّفتِ على الكتاب؟ * الكتاب هو صديقي الأول الذي صافحته وأنا في السابعة من عمري حين كنت أقتني مجلتي الأسبوعية، وأعكف عدّة أيام على قراءتها واكتشاف الجديد من مكنوناتها المعرفية.. الكتاب كان أنيساً حقيقياً في زمن كنا نفتقد أنس الأصحاب وندرة لقاء الأهل لبعد المسافات. * هل تستطيعين تحديد بعض بدايات تأسيس مكتبتكِ المنزليَّة؟ * بدأت باقتناء كتبي حين كنت في الثالثة عشرة من عمري، وقد كانت الميول تشدني إلى كتب الأدب، كنت أحفظ ما أقرؤه ويأسرني جماله ومن شدة إعجابي به أظلّ أكرره على من حولي. * ماذا عن معارض الكُتب، ودورها في إثراء مكتبتك؟ * معرض الكتاب الدولي في مدينة الرياض هو أكثر المعارض التي ترددت عليها واشتريت منها الكثير من كتبي. * ما أبرز المنعطفات التي رافقت نموَّ مكتبتكِ الشَّخصيَّة؟ * أعتقد أخي بكر أن أكبر انعطاف رافق نموّ مكتبتي الخاصة هو فكرة التنوع في اختيار الكتاب، والرغبة الملحّة في الانفتاح على العالم بشكل أوسع، فقد تغيرت الكثير من قناعاتي الفكرية، وحاولت تحطيم القوالب الجامدة في ذهني، والابتعاد التام عن تأطير المعلومات، أو تقديس الأشخاص، وأصبحت لديّ رغبة في الاطلاع على أفكار كل من يخالفني رأياً، أو اتجاهاً اطلاع الباحث الذي يقبل الآخر بكل اختلافه، هذا الانعطاف وجدته نابعاً من مفاهيم راسخة تربيت عليها، وقد أتت أكلها بعد حين . * حدثينا عن أوائل الكُتب التي دخلت مكتبتك؟ * في الثالثة عشرة من عمري اشتريت روايتين لنجيب محفوظ هما: أولاد حارتنا، واللص والكلاب، من مكتبات جمهورية مصر العربية التي زرتها آنذاك، وحصلت على ديوان أحلى قصائدي للشاعر الكبير نزار قباني من إحدى الصديقات. بعدها بدأت أقتني كُتباً مترجمة في الأدب الأجنبي لجان جاك روسو وفكتور هوجو ووليم شكسبير، وأجاثا كرستي، ثم امتلأت مكتبتي بكتب نجيب محفوظ، ومحمد عبدالحليم، ومصطفى لطفي، المنفلوطي، ودواوين شعر لشعراء عصور متنوعة بدءاً من العصر الجاهلي حتى العصر الحديث. * هل تحتفظين في مكتبتكِ بمخطوطات؟ * للأسف لا، لست مهتمة بجمع المخطوطات. * ماذا عن نصيب الكُتب القديمة والنَّادرة؟ * أنا لست من هواة اقتناء الكُتب التراثية القديمة، ربما يهمني الاطلاع عليها والتدقيق في محتوياتها فقط لأنها الأكثر وفاء في نظري بالفكرة الحقيقية للكاتب قبل أن تطالها يد النقل الخاطئ. * هل لديكِ شيءٌ من الصُّحف والمجلات القديمة أو شبه القديمة؟ * نعم، هناك بعض القصاصات المُهمة في حياتي لا زلت أحتفظ بها من جرائد سعودية محلية كخبر حصولي على المركز الأول للمرحلة الثانوية على مستوى المنطقة الشرقية عام 1413ه، وحصولي على جائزة الأمير محمد بن فهد للتفوق العلمي، وقصاصات تحمل بعض قصائد الشاعرين الراحلين نزار قباني وغازي القصيبي من جريدة الحياة اللندنية، وبعض مقالاتي التي كتبتها في جريدة اليوم، ومجلة القافلة. * هل يوجد في مكتبتكِ كُتب مُهداة بتوقيع مؤلفيها؟ * حتى اليوم لديّ مئات الكتب المُهداة بتوقيع مؤلفيها، ولوطني الفضل الكبير في ذلك لكوني عملت كعضو مجلس إدارة في نادي الأحساء الأدبي، وأشرفت على جلسات ديوانية المثقفات، ورعاية الموهوبات لثماني سنوات فيه، كما مثلت وطني في محافل دولية عربية متعددة، وفي جميع هذه المناسبات كانت تصلني إهداءات كُتب من مؤلفين كثر. * ما أطرف المواقف التي حصلت لكِ في البحث عن الكُتب؟ * ربما أطرف موقف لايزال عالقاً في ذاكرتي هو زيارتي العابرة حين كنت في المرحلة الثانوية لإحدى المكتبات، وتفاجأت حينها بتوفر كُتب جاذبة لم يكن في محفظتي ثمنها الذي بلغ 500 ريال، فطلبت من البائع أن يتبعني بالكُتب حاملاً إياها في صندوق كبير إلى بيتنا، وكان المشهد لافتاً لانتباه المارّة، وقد دفع والدي -رحمه الله- حساب الرجل وهو يضحك من غرابة الحدث!! * ما أطرف العناوين الموجودة في مكتبك؟ * «البخلاء» للجاحظ فأنا آنس كثيراً بقصص البخلاء، ويشدني الفضول للتعرف على طبائعهم النفسية خصوصاً تلك الطبائع التي تثير جو الفكاهة والتندر. * بما أنكِ مُهتمة بالكُتب ولديكِ مكتبة خاصة.. ما أبرز الكُتب التي تحرصين على قراءتها؟ * كتب الشِّعر والروايات، كُتب التجارب الحياتية، وتطوير الذات، وتعميق الجانب الإيجابي في النفس. * هل ساعدتكِ المكتبة الخاصة بكم على التأليف؟ * بكل تأكيد نعم، فالقراءة هي عصب الحياة، وهي محور العلم الذي تدور حوله المعارف ويسبح في فلكه الإبداع، هي الصورة الحقيقية للإدراك، والمرايا المضيئة التي تعكس الوعي في المجتمعات، وبها يصبح للمفردة معنى، وللبيت فكرة، وللقصيدة بنيان. * كم بلغ عدد مؤلفاتك حتى الآن؟ ومتى صدر لك أول كتاب وما هو؟ * لديّ ثلاث مؤلفات كان أولها رواية بعنوان: «وجوه بلا هوية» صادرة عن نادي الأحساء الأدبي عام 2011م، بعدها صدر لي ديوان: «فسائل» 2016، وأخيراً ديوان: «وجه هاجر» 2022. * هل تستفيد أسرتك من مكتبتك في الاطلاع وإعداد البحوث؟ * نعم، كثيراً ما اقتنى ابنائي وأبناء عائلتي كُتباً من مكتبتي، وانتفعوا بمحتوياتها. * هل طرافة الكتاب أو طرافة موضوعه من معايير انتقائه؟ * أعتقد أن انتقاء أي كتاب يعود إلى ميول ومزاجية القارئ فيما يهوى الاطلاع عليه، فقد تكون الطرافة أحياناً مطلب للترويح عن النفس، وقد يكون العنوان أحياناً لافتاً على نحو يجذب القارئ ويثير حماسه. * هل يوجد من قراءاتك كُتب لا تزال عالقة في الذهن، وما أسلوب الكاتب الذي يعجبك؟ * «رواية الشاعر» للشاعر الفرنسي الكبير إدمون روستان من أكثر الكُتب العالقة في ذهني لأن الفكرة انصبّت في حبكة مؤثرة ونهاية مؤسفة لا تزال تسكنني بوجع. يهمني في الكاتب براعته في نقل مفاهيمه بأسلوب ذكي يدير من خلاله بوصلة الفكرة، ويبحر في مسارب المعاني والصور بسلاسة لأن التوغل الشديد في الرمزية والإبهام ربما يشتت القارئ ويفقد النص جماله. أما الشِّعر فهو سحر يعتمد على خفة المفردات التي تعلو بموج المعنى ثم تتركك على ضفة الدهشة والتأمل. * ماذا تُفضلين.. المكتبة الورقية أو الرقمية؟ وما السبب؟ * كلتاهما مفضلتان لديّ إلا أن للأوراق ذاكرةٌ تختزل مراحل متعددة من عمري، ولذاكرة الأوراق قوة جاذبة تجبرني على أن أسكنها باستمرار. * هل مكتبتك متخصصة أم متنوّعة؟ * مكتبتي متنوعة بين كُتب الأدب والتاريخ والدين والتقنية. * هل تقتنين الكتاب من خلال توصيات، أو بانتقاء شخصي؟ * بعض الكُتب اشتريتها بتوصيات من أشخاص أثق بذائقتهم في القراءة، وبعضها كان انتقاءً تحكمه الميول والموضوعات الجاذبة كما أسلفنا. * ما القراءة بنظرك؟ * القراءة نافذة مشرعة على الحياة، ورافد لنهر العمر، ودلهيز دافئ إلى بوابة العقل، وعمق الوجدان. * ما رسالتُكِ التي توجّهينها لكلِّ من يملك مكتبة خاصَّة؟ * أقول لكل من يملك مكتبة خاصة: الكتاب بوّابة الوعي، والوعي هو مفتاح الحضارة، فكن على يقين أنك في فضاء يحكمه عقلك. * كلمة أخيرة: * شكراً لجريدة «الرياض» التي كنت أتصفحها، وأتصفّح وجوه كتّابها قبل أكثر من ثلاثين سنة، وتحقق حلمي بأن تتصفح هي ملامحي، وملامح مكتبتي في لقائنا اليوم عبر صفحة «زيارة إلى مكتبة» التي يعدها أ. بكر هذال. مشاركات الضيفة الصحفية من نوادر الكتب التي تحتويها المكتبة