للمكتبات مع أصحابها قصصٌ ومواقف، وأيضاً طرائف وأشجان تستحق أن تروى، «الرياض» تزور مكتبات مجموعة من المثقفين، تستحث ذاكرة البدايات، وتتبع شغف جمع أثمن الممتلكات، ومراحل تكوين المكتبات.. في هذا الحوار الكُتبي نستضيف الزميل الكاتب ناصر بن محمد العُمري المهتم بالمسرح حول مكتبته التي وصفها بقوله: «تقع مكتبتي في الدور الثالث من منزلي، وهي عبارة عن كوكتيل من الكُتب في شتى الأصناف بها حوالي 6.000 عنوان من مختلف مشارب الأدب والثقافة والفكر الإنساني، كما أنها تحتضن الدروع التذكارية وشهادات الشكر التي أحصل عليها. لا تخلو مكتبتي من إصدارات تمثل بعض الأدلة الشارحة كدليل النشاط الطلابي والدليل الإجرائي لمدير المدرسة وإصدارات توقفت عن الصدور حالياً لبعض الجهات على غرار مجلة التوثيق التربوي وكذلك مجلات الشعر الشعبي مثل فواصل والمختلف وقطوف». في أيِّ مرحلة تعرَّفتَ على الكتاب؟ * في مرحلة باكرة جداً وتحديداً الصف الثالث الابتدائي من خلال مكتبة المدرسة والقصص التي كانت تتوفر بها، وكانت تلك القصص محل اهتمامي لأني وجدت فيها امتداداً لحكايات والدتي وكبيرات السن في القرية اللائي كن يروين لنا ببراعة قصصاً مُلهمة كبسيس عمار وشظيف وقصص السعالي والعفاريت لتأتي قصص الزير سالم والأميرة النائمة والدجاجة التي فكرت في الطيران والأميرة وحبة الفول ونحوها من القصص لتشكل بدايات رحلتي مع الكتاب، ثم شكل إنتاج مصطفى لطفي المنفلوطي كماجدولين، والفضيلة، العبرات، النظرات، علاقة خاصة مع الكتاب ولازلت أذكر أننا كنا نذهب لمدينة الباحة لنشتري بعض الكُتب التي تتوفر في إحدى المكتبات هناك رغم ضيق ذات اليد في تلك الفترة. هل تتذكر بدايات تأسيس مكتبتك المنزليَّة؟ * بدأتها فعلياً في العام 1410ه حين التحاقي بكلية المعلمين قسم العلوم حيث كنت أبحث عن الكُتب العلمية التي تتحدث عن هذا التخصص العلمي، وكنت أقتني الكُتب لأنها مقررات دراسية تنتهي إلى المكتبة وإن كان قبل هذا التاريخ هناك وجود للكتاب فهو على نطاق ضيق حيث نحتفظ بالكُتب المدرسية، وكذلك بعض الكُتب التي حصلت عليها من جارنا الفقيه أحمد بن حمدان يرحمه الله إمام الجامع الذي كان يستبدل كُتب خطبة الجمعة وبعض كُتب الفتاوى وتفسير القرآن والإصدارات الصغيرة بأخرى وكنت أحصل منه على النسخ القديمة وأحتفظ بها في دولاب من الحديد وكانت هذه المرحلة عاملاً مساهماً في نشوء عادة اقتناء الكُتب. ثم تطورت إلى سلوك خلال سفرياتي لبعض الدول مثل سوريا والأردن وأصبح ارتياد المكتبات أحد أول اهتماماتي، كما كنت شغوفاً بزيارة المكتبات الخاصة في السعودية والتي كانت تأتي ضمن برنامج العائلة حيث نزور تلك المكتبات لشراء الكُتب، وكذلك للقراءة برفقة زوجتي والأبناء «أيمن وإياد» وكان هذا الطقس يتكرر سنوياً، وكونت من خلال تلك الزيارات نواة مكتبة بها أكثر من 10 آلاف عنوان حتى أتى حريق هائل عليها في عام 2006م وعدت لجمع الكُتب مجدداً بغية تعويض ما فقدته من كُتب. ماذا عن معارض الكُتب، ودورها في إثراء مكتبتك؟ * بدون شك كانت معارض الكُتب أحد أهم الموارد التي ساهمت في إثراء مكتبتي وتعويضي عما فقدته من كُتب حيث تمثل موسماً مهماً لي كقارئ ومهتم باقتناء الكُتب وأخصص لزيارتها ميزانية خاصة لأنها توفر للمهتم فرصة سانحة لاقتناء الكتاب، وقد ساهمت معارض الكُتب بشكل كبير في تنويع مجالات الكُتب التي أقتنيها. ما أبرز المنعطفات التي رافقت نموَّ مكتبتك الشخصية؟ * أبرز المنعطفات تمثلت في الحرص على اقتناء مجلات مثل مجلة ماجد وحينها كنت طفلاً شغوفاً بمتابعة القصص المصورة، والبحث عن الشخصية المفقودة، ورافقني ماجد وكسلان وفضولي وموزة لسنوات عدة فكانوا أصدقائي بل لا أبالغ كانوا يشكلون عوالمي ومثّل البحث عن «فضولي» ما يشبه مرحلة تأسيسية في تكويني المعرفي، ثم غرمت بمجلات العربي الكويتية والمعرفة والمجلة العربية واليمامة والتي اقتنيت كل أعدادها. كما شكل عملي في التعليم أحد المنعطفات حيث اتجهت للاهتمام باقتناء الكُتب التربوية وكذلك كُتب البحث التربوي والتدريب وكل الكُتب التي تساهم في رفع معرفتي بمجال التعليم ثم جاء اهتمامي بالمسرح كمنعطف مهما حيث تحولت نحو اقتناء الكُتب التي تهتم بالمسرح وقبل هذا وبعده كانت ميولي الثقافية عاملاً مهماً في اقتناء الروايات العالمية والقصص وكُتب الشِّعر فيما كان اهتمامي بالنقد خلف شغفي باقتناء الكُتب المهتمة بالنقد. حدثنا عن أوائل الكُتب التي دخلت مكتبتك؟ * دشنت القصص المصورة باكراً، مكتبتي ثم عيون وأمهات الكُتب مثل: البيان والتبيين للجاحظ والشِّعر والشعراء لابن قتيبة وشرح ابن عقيل ونحوها، ثم بعد ذلك كانت روايات أجاثا كريستي وفرجينا وولف والكتاب الروس بحكم وفرتها في مكاتب دمشق في الثمانينات. هل تحتفظ في مكتبتك بمخطوطات؟ * نعم لديّ بعض المخطوطات للكُتب، وقد أتاح لي عملي مع نادي الباحة الأدبي في تحكيم الكُتب فرصة الحصول على مخطوطات العديد من الكُتب من أبرزها «نكز» للصديق محمد الراشدي. ماذا عن نصيب الكُتب القديمة والنَّادرة؟ * لديّ اهتمام بالمؤلفات القديمة، وقد اقتنيت مؤلفات عن الأنساب في منطقة الباحة، وبعض النصوص المسرحية لأبناء منطقة الباحة، لكن بكل أسف ذهب بها الحريق الذي تعرضت له شقتي في حي سيال قبل أن انتقل لمنزلي الجديد في حي الرونة. هل لديك شيءٌ من الصُّحف والمجلات القديمة؟ * نعم؛ مجلة الهلال المصرية تشكل جزءًا مهماً من المكتبة، وكذلك الصحف المحلية، حين كنت أعمل محرراً في صحيفة عكاظ، كما أن كتاب الرياض خلال الفترة التي تبنت فيها صحيفة الرياض مشروع كتاب في جريدة مثل أحد موارد المكتبة. هل يوجد في مكتبتك كُتب بتوقيع مؤلفيها؟ * نعم؛ مكتبتي تزخر بالعديد من الكُتب التي شرفت بتلقيها كإهداءات من مؤلفيها كوني أحضر كثير من هذه المناسبات الاحتفائية، كما يصلني من الأصدقاء إهداءات ممهورة بتوقيع مؤلفي تلك الكُتب. ما أطرف العناوين الموجودة في مكتبك؟ * كتاب كيف تكون تعيساً؟، أيضاً هناك كُتب ساخرة لعدد من الكتاب من بينهم عامر جلال يرحمه الله. هل طرافة الكتاب أو طرافة موضوعه من معايير انتقائه؟ * قد يكون أحد المعايير لكنه ليس المعيار المؤثر دوماً، وبعد هذه التجربة الطويلة مع الكُتب بت أعرف ما الموضوعات التي تحتاجها مكتبتي دون أن يؤثر في خياراتي معايير أخرى. ما أطرف المواقف التي حصلت لك أثناء البحث عن الكُتب؟ * حدث غير مرة أن ذهبت لمعرض الكتاب سواء في جدة أو الرياض لأبدأ في شراء الكتاب وبعد جولة التسوق أجدني غير قادر على حمل الكُتب التي أقتنيتها، كما أنه حدث غير مرة أن اقتنيت كُتباً ثم تجولت بين أكثر من جناح لأنسى بعض الكُتب التي اشتريتها دون أن أتذكر أسماء الدور التي مررت بها لكثرة الدور التي زرتها في جولة واحدة. ما أبرز الكُتب التي تحرص على قراءتها بما أنك مُهتم بالكُتب؟ * أشعار محمود درويش، وما كتبه الماغوط، وإنتاج المغربي أنيس الرافعي، في مجال القصة روايات كونديرا ومانقويل وباولو كويلو، حالياً لديّ ميل لقراءة الروايات الشرق آسيوية والأفريقية فعوالمها تسحرني كثيراً، نتاج عبدالعزيز مشري -رحمه الله- فله سحره الخاص كونه يتقاطع مع تكويني وثقافتي وعوالمي التي تكونت في أحضان القرية. كم بلغ عدد مؤلفاتك حتى الآن؟ * صدر لي في مجال القصة صراع.com وفي المسرح «رُكح الفرجة»، وفي المطبعة حالياً مجموعة قصصية تتعنون ب»عالم شفاف»، وفي الدراما «سيلفي بيضة الدراما». هل يوجد من قراءاتك كتب لا تزال عالقة في الذهن؟ * رواية العمى لساراماغو كانت مدهشة في أحداثها وشخوصها، وكذلك الديكامرون ربما لارتباطهما بالأوبئة أو لأن جائحة كورونا التي جثمت على حياتنا ساهمت في إيقاظهما ومن وحيهما كتبت نصي المسرحي: «انفزبول- اللامرئي»، كذلك فإأن ما كتبه أنسي الحاج في «لن» مؤثر في نظرتي للشِّعر وفي معرفتي بالحساسيات الشِّعرية الجديدة وقبولها وتذوقها وفي قدرتي على تحسس مواطن الجمال في التجربة الإبداعية عموماً، كما هو حال تأثير كتاب قراءات في مسرح الرؤى في المجال المسرحي الذي أمدني برؤية حديثة، ولأعمال جورج طرابيشي والنقد الثقافي عبدالله الغذامي أثر مماثل في تجربتي القرائية ووعيي الجمالي ومقارباتي النقدية. ماذا تُفضل المكتبة الورقية أو الرقمية، وما السبب؟ * رغم إيماني بإمكانيات التقنية وعشقي للأدب الرقمي كرويات محمد سناجلة الرقمية وسحر عوالمها التقنية وما أحدثته الرقمنة من دهشة وإمكانيات هائلة لصناعة محتوى ثقافي يواكب العصر ويفيد من الإمكانيات التقنية ورغم يقيني أن المستقبل هو للكتاب الرقمي؛ ومع هذا فأنا أميل للورقي كونها أقرب لمناخاتي التي تشكلت في أتون الكتاب الورقي وأجوائي وتجربتي تتعشق رائحة الورق. هل مكتبتك متخصصة أو متنوّعة؟ * مكتبتي تنوس في فضاءات متعددة بحكم اهتماماتي المتنوعة ففيها من كل بحر قطرات فالكُتب الإعلامية متوفرة لدي وخصوصاً تلك التي تبحث في الإعلام الجديد، ومستقبل الإعلام كما تحظى كتب تطوير الذات وبناء الشخصية وبناء فرق العمل والإدارة والجودة الشخصية تحظى باهتمام خاص جعل من اقتناء الكتب في تلك المجالات ضمن قوائم كتب مكتبتي. ما رسالتُك التي توجِّهها لكلِّ من يملك مكتبة خاصَّة به؟ * أعمل على تنميتها لتكون ملاذك المفضل، وركنك الأجمل، والفضاء الذي يأخذك نحو عوالم متعددة دون أن تبارح مكانك. كلمة أخيرة. * الشكر لصحيفة «الرياض» ولهذه الصفحة الغنية التي تشرف عليها أستاذ بكر هذال بدأب ومحبة وانتماء حقيقي للمعرفة، مقرونة بشغف اقتحام عوالم عشّاق القراءة والتي تعكس حجم اهتمامكم بالمعرفة وحقولها المتنوعة. وهذه الصفحة اللذيذة تحمل في طياتها خطاباً معرفياً ضمنياً يرتكز على التحريض على المعرفة ويشجعها وهي أحد المعاقل التي تحاول تعزيز دور المكتبة في تأسيس وبناء شخصية الإنسان في زمن طغيان المظاهر الحديثة كوسائل التواصل وما في حكمها. ناصر العُمري العدد 44 من مجلة «الشّعر» العام 1986م