القهوة من الموروثات التي تشكل ملامح هوية بلادنا، فهي من العادات الأصيلة في ظل تمازج الثقافات المختلفة، تفوح رائحتها المعطرة بالهيل في ارجاء المناطق في كل المناسبات، كما انها مصدر مشع من جميع البيوت، رائحتها الذكية تتصدر في الأعياد، ما يجعل القهوة السعودية ترتبط بالإرث الثقافي للمملكة ، عبر تاريخ حافل بالعادات والتقاليد، وقيم الكرم والضيافة، والحضور الإنساني والكمالي للمكان، حتى أصبحت عنصراً رئيساً في الثقافة وموروثنا الشعبي، وعلامةً ثقافية تتميز بها المملكة، سواءً من خلال زراعتها، أو طرق تحضيرها وإعدادها وتقديمها للضيوف، ومن منطلق المكانة العالية لهذا الرمز الثقافي والوطني، جاءت تسمية عام 2022م ب"عام القهوة السعودية" . حبكة طبخ القهوة كانت ولا تزال متوارثة بتفاصيلها، وعادات الفنجان المتوارثة منذ عهد الإباء، ولا شك أن هذا الارتباط الوثيق بين فنجان القهوة السعودية والثقافة المحلية طبيعة راسخة منذ زمن الأجداد، وتحتل القهوة العربية مكانة خاصة في المجتمع السعودي، فهي أهم عناصر الضيافة، إذ تكاد لا تخلو أي مناسبة منها، وذلك لأنها مرتبطة بالعادات والتقاليد وطبيعة المجتمع. كما تمتاز كل منطقة في بلادنا الحبيبة بطريقة صنع القهوة وذلك من بدء اختيار البن، واختلاف درجات تحميصه من منطقة لأخرى، فهناك البن الهرري، والقطمي، والبرية، وأشهرهم هو"البن الأشقر"، ويبدأ تحضير القهوة بإضافة البن إلى الماء وغليه على نار هادئة لمدة عشر دقائق، وتضاف حينها البهارات بحسب الذوق كالقرفة والزنجبيل والزعفران وغيرها. كما ان تميز القهوة ليس فقط بطرق طبخها المختلفة بين المناطق انما طريقة وضعها في الدلال، فتأتي "المزلة" وهي الدلة التي يتم تقديم القهوة بها للضيوف، وتتميز بصغر حجمها وخفة وزنها وشكلها الأنيق، وتأتي "الحساوية" حيث يظهر من أسمها انها تمت صناعتها في الأحساء، وهي واحدة من أقدم الدلال التي تم استخدامها في المملكة، و"القرشية" وهي التي تمت صناعتها في مكة، تتميز بجودتها العالية وانتشارها في أرجاء المملكة، وقد تم تصنيعها من خامات جيدة وبأشكال مختلفة، وهناك الدلة "الحجازية"وهي تلك التي صنعت في الحجاز، وقد اشتهرت بجودة الخامات والشكل المميز، لذا أقبل الناس على شرائها وعرفت في جميع أرجاء المملكة، اما الدلة "الحايلية "وهي المصنوعة في حائل وتميزت بجودة ودقة عالية في الصنع، لذا اشتهرت بأنها أجمل الدلال في المملكة. ولا تنحصر القهوة السعودية بنوع البن فقط انما طريقة طبخ القهوة وهي طرق متنوعة لطبخها حسب المناطق، منها "المطباخة" وهي التي توضع فوق الجمر ويوضع بها الماء الساخن، وهي تكون أكبر دلّة في المجموعة كلها، وتتميز بثقلها حتى يمكنها طبخ القهوة جيدًا وتحمل حرارة الجمر لفترة طويلة من الزمن، وتأتي "المبهارة" وهي التي يتم من خلالها إضافة البهارات إلى القهوة، بحيث يتم وضع الهيل والزعفران في قاعها ثم إضافة القهوة إليها، وهي أخف في الوزن من الدلة "المطباخة". لا تنحصر القهوة كأحد الأساسيات في الأعياد والمناسبات انما تعكس موروثا مهما حتى في طريقة تقديمها للضيف فهي تقوم على احترام الكبير ولها طريقة مميزة في تقديمها إذ يجب أن تُمسك دلة القهوة وتُصب باليد اليسرى ويُقدم الفنجان للضيف باليد اليمنى، ويبدأ "صب القهوة" من الجهة اليمين من المجلس أو بدءاً من الأكبر سناً.