في «احزاية» أو حكاية شعبية أحسائية أوردها الدكتور سمير الضامر يصفُ الراوي جمال المولود الجديد للملك فيذكر أن رقّة وصفاء خدّيه تشف عن الماء داخل فمه، فهو يقول في وصفه: «ذاك الولد اللي الماي ليمن اشربه تشوفه من اخدوده من جمالٍ فيه». ومثل هذا الوصف المبالغ فيه من الخصائص الجميلة التي يتميز بها أسلوب المرويات الشعبية، فالراوي أو المتحدّث يدرك أنّ اهتمام المتلقي ينصب دائماً على المتعة وجاذبية الكلام أكثر من عنايته بالحقائق ومطابقة الكلام للواقع مطابقةً تامة، وهذا الأمر هو ما يشجع الرواة الشعبيين على تطعيم مروياتهم بمبالغات بديعة لا حصر لها. وعندما يتعلق الأمر بوصف الجمال الفائق والآسر، كما في النص الأحسائي السابق، فإن المبالغات هي أفضل ما يُعبَّر به عن شيء لا يمكن إدراك حقيقته إلا بالنظر المباشر إليه. ففي حكاية (الشريف لا يتزوج إلا شريفة) في أساطير الجهيمان أن الفتاة جلست على بركة الماء تنظف ما تحمله من ملابس، فيمر بجانبها الموكل بسقي الحديقة وعندما رآها «أغمي عليه من تأثير جمالها وبهائها». ونفس الشيء حدث مع أصغر بنات الملك في حكاية تهامية، دوّنها الأستاذ عبده خال في أساطيره، اسمها (جلد العير)، فعندما شاهدت الأميرة الشاب المتسخ الملقب بجلد العير وهو يخلع عنه الجلد القذر ليغتسل في قناة الماء «هالها منظره وجماله فخرّت مغشياً عليها»! وترد في كلام الناس ومأثوراتهم الشعبية عبارات كثيرة تتضمّن مبالغات نادراً ما يلتفت لها الباحثون في ميدان التراث الشعبي نتيجة انصرافهم إلى أمور أخرى أو إلى دراسة هذه المسألة في أنواع تراثية محددة كالشعر، وفي معاجم الشيخ محمد بن ناصر العبودي، على سبيل المثال، نماذج متنوعة لتلك المبالغات، منها ما أورده في معجم الأمثال العامية من أن الرجل كان يقول لصاحبه من باب المبالغة: «بشّرني وافلقني»، أي «بشرني بحصول مرادي ولو ترتب على ذلك أن تفلقني» أي تشج رأسي. ومن العبارات التي يتفوه بها الناس قديماً عند مشاهدة أمر يخالف الدين، أو يظنونه مخالفاً لتعاليمه، قولهم: «يا سما لا تطيحين»، وكأن سقوط السماء لتنطبق على الأرض أمر متوقع الحدوث عند اقتراف المرء ما يخالف الشرع. ومن الكنايات الشعبية التي استعملوها مبالغةً في وصف الشخص الذي يفسد بين الناس قولهم: «فلان ينجِّس الأرض اللي يمشي عليها»، وكذلك قالوا عن شديد البخل: «يحلب الذَّر» مبالغة في وصف شدة حرصه، والذَّر صغار النمل. ولم يخل دعاؤهم أيضاً من استعمال أسلوب المبالغة، إذ يقولون في الدعاء للشخص بطول العمر: «عسى عمرك عمر نوح». وأورد العبودي قصة طريفة لأحد الأمثال الشعبية تبيّن لنا حالةً من الحالات التي ربما لا تكون فيها المبالغة مقبولة، فقد عرض أحدهم حماره للبيع، ولرغبته الشديدة في بيعه ظل ينادي عليه قائلاً: «من يشتري الحمار اللي يرقى النخل»! وفي نصوص الأدب الشعبي والمأثورات عامةً الكثير من المبالغات التي يمكننا القول بأنها تقوم في الكلام الشعبي مقام الملح في الطعام، فهي تمنحه مذاقاً مميزاً يزيد من رغبة المتلقي في الإقبال عليه والتلذذ به.