من حين إلى آخر، أطلب من أحد موظفيك أن يؤدي مهمة إضافية فوق مهامه الاعتيادية، فإذا نفذها بحماس، فهذا يكشف لك عن مدى سعادته، ورغبته في البقاء والتطور داخل جهة العمل، أما إذا نفذ تلك المهمة مع إظهار ملامح التبرم، فالأغلب أنه قد وصل إلى مرحلة "البؤس"! ذلك هو "الاختبار السريع" الذي يقترحه أحدهم لفحص مستوى السعادة، فالموظف السعيد هو حتما مبتغى المؤسسة، لأنها ترى فيه "محركا" يعمل بكامل طاقته - ودون إرغام - لتحقيق أهدافها الكبرى. ولعلنا شاهدنا أمس ما ضجت به وسائل الإعلام الاجتماعي، من احتفالات باليوم العالمي للسعادة (20 مارس) في معظم مؤسساتنا التي زينتها البالونات الصفراء، ووزعت داخل مكاتبها الهدايا والحلويات على الموظفين وهم أمام الكاميرات مبتسمين ومعبرين عن حالة الابتهاج. إلا أن هناك خلطا كبيرا عند بعض المؤسسات بين موضوع "السعادة" في بيئة العمل واستخدام "المسكنات" كعقد الأنشطة الترويحية داخل المؤسسة أو خارجها، إذ لا يمكن لموظف أن يشعر بالسعادة، وهو محطم من الداخل، بسبب سياسات أو إجراءات أو قرارات إدارية لم تتخذ على أسس العدالة والشفافية، ومن ذلك تأثير المحسوبيات في تقديم أو تأخير العلاوات أو الترقيات، أو إحداث فروقات شاسعة في رواتب الموظفين ممن يتماثلون في طبيعة العمل والخبرة والمؤهلات..إذن، كيف ترتسم البسمات وفي القلب حسرات؟! إن إسعاد الموظفين ليس مجرد مناسبة احتفالية تعقد مرة في العام، وإنما هدف دائم يتحقق بترسيخ قيم الاحترام والإنصاف والثقة في بيئة عمل صحية آمنة تخلو من مسببات التوتر، وتعطي الموظفين حقوقهم كاملة غير منقوصة، فمثلما نتوقع الوفاء بالتزامات "عقد العمل" المبرم بين الموظف وصاحب العمل، نتوقع كذلك الوفاء بكل البنود غير المكتوبة ل"العقد النفسي" بينهما. تقول عالمة النفس "كريستي سكولون"، من جامعة "سنغافورة" للإدارة، إن الأبحاث تؤكد أن الأفراد السعداء يكسبون مالا أكثر، ويتمتعون بصحة أفضل (أقل طلبا للإجازات المرضية)، ويتسمون بأنهم أكثر إبداعا في حل المشكلات، مما يعني أن نشر السعادة داخل جهة العمل له دلالة اقتصادية مفيدة. ومن جهة أخرى، يقول عالم النفس "كريستوفر هسي" من جامعة "شيكاغو بووث" إن التطورات في علم النفس العصبي - كدراسة تأثير السعادة على الإنتاجية - أسهمت في ردم الفجوة بين علماء النفس والاقتصاديين، وجعلت أهل الاقتصاد يدركون بأن لدى علماء النفس الكثير ليقدموه في حل المشكلات الاقتصادية. إننا بحق لا نحتاج إلى الموضات الإدارية - كاستحداث إدارة للسعادة وتعيين اختصاصيين لها - فكل ما علينا أن نفعله هو تعزيز كفاءة إدارة الموارد البشرية، وتحسين بيئة وظروف العمل، وفي مقدمة ذلك، يأتي التعامل والتواصل القائمين على الاحترام والثقة، فهما يبعثان الطمأنينة في نفوس الموظفين، ويولدان الشعور الحقيقي بالسعادة التي تعزز الولاء في قلوبهم تجاه المؤسسة.. ذلك الولاء الذي يحميهم من ويلات "التسرب"! بندر الضبعان