«أغيب.. أتأخر.. أستأذن.. وأفلها بعد» كثيراً ما يردد بعض الموظفين هذه الكلمات ويحتجون بها، خصوصاً من يفتقدون الشعور بالرضا عن أوضاعهم الوظيفية؛ لأسباب تتعلق بتدني مستوى رواتبهم مع ما يبذلونه من جهود، إلى جانب تأخر الترقيات، وغياب الحوافز أو عدم وجود بدلات كالتأمين الصحي على أقل تقدير.. ومع الاعتراف بوجود تلك الأسباب، ومدى تأثيرها على نفسية وأداء الموظف، إلاّ أنّها لا تعد مبرراً مقنعاً لهؤلاء الموظفين الذين اعتادوا الإهمال والتسيب في وظائفهم، فالموظف عليه أن يؤدي عمله بكل أمانة وإخلاص، وأن لا يقصر في أدائه، فأن تعمل خيراً من أن لا تعمل!. مساواة غير عادلة وذكر «مسلم العمري» أنّ أكثر ما يجعل الموظف يشعر بحالة عدم الرضا بوظيفته هو وجود المحسوبية في بيئة العمل، وبالتالي عدم تقدير وتمييز الموظف المجتهد والمثالي، إذ تذهب كل الامتيازات للموظف «المزاجي» و»المتلاعب» الذي يجيد طرق التهرب من مسؤولية عمله، ويختلق الأعذار بشكل يومي، ومن ثم مساواته تماماً بالموظف الأكثر التزاماً وإنتاجا،ً معترفاً أنّه حينما بدأ يشعر بظلم المساواة أخذ يماثل بعض الموظفين في تأخرهم وتغيبهم عن العمل، لكنه وجد أنّه أول من يحاسب على تقصيره وتأخيره، بينما أولئك لا يلتفت إليهم ولا يتخذ بحقهم أي إجراءات، مبيّناً أهمية أن يشعر الموظف المخلص والمجتهد بوجود فرق بينه وبين هؤلاء الموظفين لأن تلك المساواة غير العادلة تفقده بعضا من حماسه وحرصه على تميزه الوظيفي، وربما تخلق منه موظفاً قليل الاحترام لواجبات عمله. مرحلة محبطة وكشفت «سهام الفاضلي» -موظفة في أحد المستوصفات الخاصة- أنّها وصلت إلى مرحلة كبيرة من الاحباط، حتى أصبحت كثيرة الغياب والتأجيل لمهامها الوظيفية، بعد أن كانت طموحة ومثابرة ونشيطة، وبدأ كل شيء يتلاشى تدريجياً بسبب ما وجدته من معامله مجحفة، وعدم تقدير لظروفها الشخصية على الرغم من تحملها لضغوط العمل، إلى جانب المعاناة في المماطلة بتسليم الراتب الذي تحاصره الحسومات لأقل الأسباب، موضحةً أنّها كانت تنوي مخاطبة إدارتها غير أنّها تخوفت من الاستغناء عنها، لاسيما وأن إدارتها تكرر دائماً على مسامعها أنّ من لا يعجبه الحال فالبديل موجود وبشكل سريع، متسائلةً:»كيف يتوقع مني العمل والإبداع في مكان أشعر به أني مضطهدة ومظلومة؟ ومع هذا تضطرني ظروفي للبقاء لصعوبة الحصول على وظيفة أخرى». الإهمال لا يجلب المميزات لأنّ مصير الموظف المقصر الفصل من العمل حقوق الموظف ورفض «جميل الوابصي» وضع اللوم كله على الموظف فقط، بل تتحمل جهة العمل ضعف أداء موظفيها وإهمال واجباتهم الوظيفية، معتبراً أنّ عدم إعطاء الموظف حقوقه الوظيفية كاملة يفقده الإحساس بالارتياح والرضا الوظيفي، وهذا بلا شك يؤثر على أدائه العملي وحالته النفسية، خصوصاً إذا كان عمله يتطلب الإلتقاء بالجمهور وتقديم الخدمات لهم، مبيناً أنّ بعض الموظفين مازالوا «مكانك سر» فهم إمّا على مرتبة أقل من المرتبة التي يستحقونها منذ سنوات، والبعض الآخر لم يحصل على أي بدلات، فيما لا تزيد رواتبهم سوى ريالات قليلة في السنة رغم غلاء المعيشة. جزاء الإحسان ولفتت «ركدة العطوي» –مشرفة تربوية - إلى أنّ الإهمال والتسيب في العمل ليس له ما يبرره، حتى وإن لم يحصل رضاء وظيفي، فلا يعني أن يأتي الموظف متأخراً ويؤجل عمله لأنّ مديره لم يمنحه أداءً مرضياً، ولا يعني أن يهمل واجبات عمله وما يترتب عليه لأن المستوى الوظيفي أو الدرجة الممنوحة له لا تتناسب مع ما يستحق، مؤكدةً على أنّ الرضا الوظيفي حق للموظف وعامل مهم للنتائج الجيدة في العمل، فلن يكون هناك عمل متقن وجميل إن لم يكن هناك رضا وظيفي، وهذا مبدأ إسلامي رائع إذ يقول الله تعالى: «وهل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان». تناغم التخصص وأفاد «د.خالد المنيف» -خبير التنمية البشرية- أنّ الرضا الوظيفي وتناغم التخصص مع طبيعة العمل يعظم الإنتاجية ويحبب العمل لصاحبه، ويجعله يقدم على العمل بشوق وشغف، وغالباً ما يكون انخفاض منسوب الرضا الوظيفي وعدم تحققه يتحمل جزءا كبيرا منه الموظف، ومهما كان السبب فالعمل أمانة ولا يسوغ للإنسان أن يقصر في عمله ويهمل في الأداء كونه لا يشعر بسكينة الروح ولا ارتياح الضمير، ناصحاً كل من لا يشعر بالرضا الوظيفي أن يبحث عن بديل يناسبه ويجد فيه نفسه، وإذا تعذر عليه أنّ يحب عمله بالتركيز على الأمور الايجابية فيه، والسعي نحو تطوير نفسه وتمتين مهاراته، وإن أمكن الانتقال من قسم إلى آخر وتحمل مسؤوليات جديدة؛ لعل المياه الراكدة تتحرك والنفسية تتجدد. المؤسسات التي تحرص على كسب ولاء موظفيها تحرص على إشباع رغباتهم تحفيز ذاتي ورأى «د.محمد بن ناصر البيشي» -أستاذ الإدارة المشارك في معهد الإدارة العامة- أنّه بغض النظر إن كان التقصير والتأخير سبب للحرمان من الحوافز أو نتيجة لعدمها، وسواءً كان فعل أو ردة فعل فهو يعد سلوك خاطئاً ونفعياً، ولا يتوقع من موظف محترم أنّ يقصر في عمله بسبب عدم الحوافز، لأن العمل ذاته هو الحافز الأكبر، متسائلاً:»ما هو ذنب طالب يتحمل مشقة الطريق ليجد مدرسا محبطا لا يقدم له الخدمات العلمية اللائقة، وما ذنب المريض والمراجعين وغيرهم؟»، ناصحاً الموظفين بالتحدث مع رؤسائهم بشأن حاجتهم للتحفيز ومعالجة الأسباب التي جعلتهم يمنعونها عنهم، والاستعانة بالوسائل النظامية لاسترداد حقوقهم -إن كانت مسلوبة-؛ مثل التظلم لدى سلطة أعلى أو جهة مختصة، أو محاولة اللجوء لأساليب التحفيز الذاتي وتطبيق سياسة «حفز نفسك بنفسك»، إلى جانب زيادة وزن الموظف بتنمية قدراته وحصوله على مستوى علمي أعلى، ودورات تدريبية، والإفادة من مواهبه مع البحث عن بدائل ترويحية خارج المنظمة كممارسة الرياضة، والسفر، والإيحاء للنفس أنّ الحوافز «ما عليها حسوفة»، أو أخذ إجازة لعلها تنجلي الغمة. شعور بالقناعة وقال «د.فهد بن معيقل العلي» -أستاذ الإدارة المشارك ورئيس قسم الإدارة بكلية إدارة الأعمال وعميد شؤون أعضاء هيئة التدريس والموظفين بجامعة تبوك-إنّ الرضاء الوظيفي يكون بالشعور بالقناعة، والسعادة، لإشباع الحاجات، والرغبات، والتوقعات من الوظيفة وكذلك بيئة العمل المادية، ويصاحب هذا الإشباع الولاء والانتماء والإخلاص لجهة العمل، مبيّناً أنّ العوامل المتعلقة بالرضا الوظيفي تشمل الإنجاز، والترقية، والمسؤوليات، والعمل نفسه، والاعتراف بالأداء ، وهذه العوامل تدفع الفرد إلى العمل، وأمّا العوامل المتعلقة بعدم الرضا الوظيفي فإنّها تشمل السياسات، والأنظمة، والإجراءات، وطرق الإشراف، والعلاقة بين الزملاء والرؤساء والمرؤوسين والبيئة المادية. مردود مالي وأضاف «د.العلي» أنّ بعض الموظفين يشعر بعدم الرضا الوظيفي من عمله لأسباب اجتماعية، واقتصادية، وشخصية، فقد يرى أنّ طبيعة العمل غير مناسبة له، ويرى أنّ لديه المهارات والقدرات التي تؤهله إلى أن يكون في مكان أفضل، ويتولى أداء مهام مختلفة أو أن يتولى مسؤوليات أعلى، كما أنّ المردود المالي من الوظيفة قد لا يكفي لمتطلبات الحياة المختلفة، ولكن كل ذلك لا يبرر التقصير أو التكاسل والبطء في الأداء أو عدم الانضباط والإهمال واللامبالاة؛ لأنّ العمل له متطلبات معينة يجب تأديتها في أوقات محددة، ويترتب على هذا التقصير والتقاعس عن الأداء تعطيل لمصالح المستفيدين سوء داخل العمل أو خارجه. تحسين الوضع وأشار «د.العلي» إلى أنّ الموظف الجيد والنشط أمامه فرص مختلفة لتحسين وضعه الوظيفي، من خلال حسن الأداء أو إكمال تعليمه، وكثير هي الحالات التي تدرج فيها الموظف من موظف في وظيفة في المستوى التنفيذي إلى مراتب وظيفية أفضل في المستويات الإدارية الوسطي والعليا، وذلك من خلال تميزه وحرصه على الأداء والتطوير الذاتي لمهاراته وقدراته من خلال التدريب أو التعليم، وقد حثنا ديننا الإسلامي على إتقان العمل، حيث قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «إنّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»، معتبراً أنّ فكرة «أشتغل على قد الراتب» مقولة لمن لا يريد أن يعمل أصلاً. سمات رئيسة وشدد «د.العلى» على أهمية أن يتمسك الموظف في عمله ولا يفرط به عن طريق عدم الانضباط وسوء الأداء، حتى لو لم يكن راضياً ويعتقد أنه سوف يجد وظيفة أفضل تحقق له الرضا الوظيفي، وأنّ هذه الوظيفة مؤقتة؛ لأن ذلك الأداء وعدم الانضباط سوف يصبحان جزءاً من سلوكه في العمل، ولن يتمكن من تعديل هذا السلوك في الوظيفة الأخرى، فالتعود على الانضباط وحسن الأداء والحرص والشعور بالمسؤولية هي قيم وعادات عمل تلازم الفرد منذ بداية حياته العملية، وتصبح سمات رئيسة لديه طوال فترة حياته العملية. موظف غادر المكتب دون اكتراث لمصالح الآخرين يلجأ بعض المهملين إلى النوم أثناء ساعات العمل د.محمد البيشي د.محمد البيشي د.خالد المنيف