بعد 16 عاما من حكم المستشارة أنجيلا ميركل لألمانيا، تنتقل القيادة إلى الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتز (63 عاما) الذي أصبح الأسبوع الماضي مسؤولاً عن قيادة أكبر اقتصاد أوروبي. ويحسب "شولتز" على يسار الوسط في ألمانيا، حيث تمكن في الانتخابات الأخيرة من إزاحة المحافظين والاستحواذ على السلطة، ليتولى "شولتز" مهمته في مرحلة صعبة تشعر فيها أوروبا بضرورة اتخاذ زمام المبادرة في معالجة الملفات الأوروبية الملحة بعيداً عن التعويل على الدور القيادي الأميركي المشكوك به أوروبياً، وذلك بحسب تصريحات متكررة من الزعماء الأوروبيين ومنهم "ماكرون" و"أنجيلا ميركل" حيث تعوّل دول أوروبا اليوم بشكل كبير على ألمانيا هذا لأخذ الدور القيادي لما لألمانيا من ثقل اقتصادي هائل على الصعيدين الأوروبي والعالمي. فما أهم مواقف "شولتز" للسياسات الخارجية؟ يصل "شولتز" إلى الحكم في وقت تواجه فيه أوروبا حشوداً عسكرية روسية كبيرة على حدود أوكرانيا، الأمر الذي يتطلب مواقف سياسية متشددة من أوروبا في مواجهة روسيا رغم حرص أوروبا على عدم الدخول في مواجهة مفتوحة مع روسيا التي تتعمّق بصمتها في أوروبا سواء عبر سيطرتها على شبه جزيرة القرم، وبناء روسيا علاقات ممتازة مع دول مثل بيلاروسيا، أو عبر خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" الذي يجعل الكرملين متحكماً في مصادر الطاقة التي تنير أوروبا وتدفع عجلة مصانعها. "شولتز" الذي يواجه كل هذه الأزمات، سيكون مضطر قريباً لمواجهة التوترات بين موسكووأوكرانيا وذلك عبر وقف أو تجميد التقدم في مشروع خط أنابيب الغاز مع روسيا ولو بشكل مؤقت الأمر الذي من شأنه تعزيز أزمة الطاقة التي تعاني منها أوروبا المترقبة لتشغيل "نورد ستريم 2" بفارغ الصبر لتخفيض أسعار الوقود في أوروبا، خاصة أن ألمانيا تعاني من أعلى أسعار للكهرباء في العالم الغربي. وفي وسط أزمات الطاقة، وإغلاق ألمانيا لآخر مفاعلاتها النووية العام القادم، وعزمها إغلاق آخر محطات الفحم بحلول عام 2033، يعد "شولتز" بتخفيف انبعاثات الغازات الدفيئة من ألمانيا مع الحفاظ على استقرار في أسعار الطاقة، حيث تصدّر ألمانيا اليوم أكبر نسبة انبعاثات في أوروبا، الأمر الذي يعد "شولتز" بتغييره عبر التوجه للاعتماد على الطاقة المتجددة والغاز المستورد. ولكن يواجه وعد "شولتز" بالتعويل على الغاز لتشغيل المعامل وإنارة ألمانيا تحديات كبيرة، حيث تختلف حكومته فيما بينها على شكل التعامل مع روسيا، والاعتماد عليها لمد ألمانيا بالطاقة، إلا أن "شولتز" نفسه وحزبه الديموقراطي الاشتراكي يعتبرون من الأصدقاء الودودين لروسيا وبوتين والمؤيدين لخط أنابيب الغاز نورد ستريم 2. ولكن رغم رغبة "شولتز" وحكومته بتجنب التصعيد مع موسكو، إلا أن وزيرته للخارجية، انالينا بيربوك، صرّحت الاثنين عن عزم حكومة "شولتز" عدم منح الضوء الأخضر لتشغيل نورد ستريم 1 في حال أقدمت موسكو على اجتياح أوكرانيا. أما في الملف الصيني، فيبدو أن "شولتز" سيسير على خطا ميركل التي أكّدت مراراً أن موقف ألمانيا لن يكون صدى لمواقف أميركا تجاه الصين. وحكومة "شولتز" أيضاً ترغب بتجنب كل أشكال المواجهة مع بكين للحفاظ على مصالح ألمانيا الاقتصادية مع الصين. فعندما سأل "شولتز" الأسبوع الماضي عما إذا كانت ألمانيا ستنضم إلى المقاطعة الدبلوماسية لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية قال إن "التعاون الدولي مهم وعلينا اغتنام الفرص لإرساء هذا التعاون" وهو جواب غير واضح ولكن يؤكد على ما يبدو عدم رغبة حكومته بمقاطعة أولمبياد بكين. وفي الملف الايراني، يحاول شولتز أن يأخذ موقفا موازيا للمواقف الأوروبية، مع مراعاة مخاوف دول الشرق الاوسط، وعلاقات ألمانيا مع المنطقة القريبة والمهمة لأوروبا، والتي باتت مصدراً لأزمة "اللاجئين" وهي أيضاً واحدة من الأزمات السياسية البارزة اليوم في أوروبا. فكان رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت قد سارع بالاتصال بالمستشار الألماني الجديد أولاف شولتز يوم الثلاثاء في مكالمة هي الأولى منذ تنصيب شولتز. وكان محور الحديث في المكالمة بين بينيت والزعيم الألماني مركّز على "البرنامج النووي الإيراني" حيث نقل الجانب الاسرائيلي مخاوف بلاده من السلوك الايراني المزعزع للاستقرار وضرورة عدم تجاهل هذا العامل في أي مفاوضات مع إيران. وفي ضوء كل هذه المواقف، يبقى الهم الداخلي هو أكبر التحديات التي تواجه المستشار الألماني الجديد، خاصة أن ألمانيا تعاني اليوم من تداعيات كبيرة لانتشار وباء كورونا، بالإضافة إلى مواجهة ألمانيا لانتشار كبير للفيروس ما دفع المستشار الجديد لبدء عهده في الحكم بقرارات صارمة لمكافحة الوباء وتشديد القيود كان أوّلها وأكثرها جدلاً قراراً يلزم كل المواطنين الألمان بأخذ اللقاح ما عدا أصحاب الاستثناءات الطبية.