أظهر التقرير السنوي للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية للعام المالي 41 - 1442 استمرار العجز الاكتواري لنظام التأمينات الاجتماعية ومدى قدرته على الوفاء بالتزاماته المستقبلية تجاه المستفيدين مستندا في ذلك على إحصائيات أداء النظام وبناء التوقعات المستقبلية المرتبطة بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية، والذي سيكون بعد عشر سنوات 1725 مليار ريال وفي عام 2016 قد بلغ العجز الاكتواري 587 مليار ريال، والعجز الاكتواري هو "التزام مؤجل لا يقابله موجودات حالية أو مستقبلية تكون كافية لتغطيته"، والذي سيكون بعد 20 سنة 3863 مليار ريال أي قرابة الأربعة تريليونات يتوقع أن تتراكم خلال 25 سنه، أمّا القيمة الحالية للالتزامات الاكتوارية للعام المالي المنصرم فهي 1505 مليارات ريال، أي ما يعادل مرة ونصف اجمالي الايرادات العامة للمملكة، ومع هذه الأرقام تساءل عضو مجلس الشورى د. حسن آل مصلوم: ما مآل هذا العجز؟ لأننا إن لم نكبح جماح هذا العجز في القريب العاجل فإنه لا محالةَ منتقل الى الأجيال القادمة، وكأننا نُقدِّم فاتورة التمويل لكل طفل من الأجيال القادمة عند ولادته، ويقول آل مصلوم: إن التقاعد المبكر وانخفاض سن التقاعد في المملكة عند عمر 60 سنة هجرية أي ما يعادل 58 سنة ميلادية - والذي يعتبر ضمن الأقل عالميا - هو التحدي الأكبر للاستدامة المالية في منظومة التأمينات الاجتماعية، خصوصا مع انخفاض عائدات الاستثمار للصناديق الحكومية والنمو الاقتصادي العالمي، وأضاف: والإصلاحات باتت ملحةً اليوم أكثر من ذي قبل وقد تكون غير مستساغة أو محبذة لدى البعض، ولكن من منظور العدالة والتكافل الاجتماعي يجب أن نحقق التوازن بين الالتزامات التأمينية على الأجيال القادمة والجيل الحالي، فتتحقق المصلحة العامة والمستدامة. آل دغرير يقترح على "التأمينات" التنسيق مع صندوق الاستثمارات في إدارة أموالها رفع سن التقاعد وأكد عضو الشورى ضرورة رفع سن التقاعد والحد من التقاعد المبكر كي نتجنب سد العجز المتصاعد من إيرادات الدولة وكي لا تضطر المؤسسة العامة للتأمينات إلى رفع نسبة اشتراكات الموظفين أو التقليل من استحقاقاتهم التقاعدية، مما يزيد من الأعباء المعيشية على المتقاعدين - خصوصا من ذوي الدخل المنخفض - مع ما يصاحبه من ضعف في الاستهلاك وتباطؤ في النمو الاقتصادي. التقاعد بالميلادي وأفصح آل مصلوم خلال مداخلته أثناء مناقشة تقرير التأمينات الاجتماعية للعام المالي 41 - 1442 عن تقديمه للجنة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في الشورى بمقترح - لم يحصل على تأييدها - لتعديل بعض مواد نظام التقاعد المدني مثل تطبيق التقويم الميلادي لحساب عمر التقاعد وهو التقويم المعتمد لصرف الرواتب، والعلاوة السنوية، والميزانية العامة للدولة، فينتج عن تطبيقه زيادة سنتين في مدة الخدمة ترفع إيرادات الصندوق وتؤجّل استهلاك أصول حساب التقاعد، وتحافظ على الموارد البشرية ذات الخبرة والنضج والكفاءة، كما أن رفع سن التقاعد وتقنين التقاعد المبكر هي أنجعُ الحلول المطبقة عالميا للتعامل مع مشكلة العجز المتصاعد في صندوق التأمينات الاجتماعية، وأتطلعُ أن يكون لمجلس الشورى الموقر إسهاماتٌ أكثرَ فعاليةً في تطوير نظام التأمينات والتقاعد تستشرف المستقبل وتحدياته وتحقق رؤية الوطن الطموحة. العجز.. فرضيات وتقديرات وحول العجز الاكتواري قال د. عبدالله بن عمر النجار: تمت الإشارة في التقرير الذي بين أيدينا تحت المعوق الثاني من المعوقات التي تواجه المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية إلى ما أطلق عليه بالعجز الاكتواري، والذي يمثل نظرة مستقبلية وليست آنية لواقع المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ماليا، سببها زيادة ظاهرة التقاعد المبكر، وانخفاض نسبة الاشتراكات، وعدم الاستثمار الأمثل للأصول المالية، وهذا العجز يعني أن الأصول المتاحة - والتي هي عبارة عن أقساط استقطاعات التقاعد من المشتركين والإيرادات الأخرى - المتوقعة للسنوات المقبلة في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية غير كافية لتغطية الالتزامات المالية وأهمها المعاشات التقاعدية، أي أن المصروفات المتوقعة لصندوق المعاشات تكون أكبر من إيراداته المستقبلية مما يسبب عجزا افتراضيا، ويضيف النجار: إن من المهم أن نكون على دراية ومعرفة بأن الدراسات الاكتوارية هي دراسات إحصائية مالية مستقبلية تعتمد على فرضيات وتقديرات كثيرة مثل تقديرات الاشتراكات الشهرية والعمر الافتراضي للمشتركين ومعدلات الولادة وقوانين سوق العمل والسلم الوظيفي وعوائد الاستثمار ونسب التضخم وغير ذلك من المؤشرات ذات العلاقة، كما أن هذه الدراسات تعطي بعض المؤشرات والتنبيهات، لكنها لا تزال افتراضية وليست حقيقة واقعية، لذلك على التأمينات الاجتماعية مقارنة ما تم الحصول عليه من الدراسات الاكتوارية (الافتراضية) مع الواقع المالي الفعلي لأكثر من فترة زمنية للدراسات الاكتوارية، والعمل على معالجة جوانب القصور التي تسببت في هذا العجز الاكتواري ورصد ذلك في التقرير القادم للمؤسسة. الاستثمارات الاحترافية هي الحل وتابع عضو الشورى مداخلاً على تقرير لجنة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بشأن تقرير التأمينات السنوي وقال: من المعروف أن المؤسسة لا تعتمد إيراداتها فقط على الاشتراكات الشهرية، بل تشمل أيضا أرباح عملياتها الاستثمارية، وإن نجاح العملية الاستثمارية للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ستساهم بشكل كبير في تجنب العجز الاكتواري لصندوق المعاشات، ولفت العضو إلى أن ما تمت الإشارة إليه من مرئيات المؤسسة كحل للعجز الاكتواري من خلال تطبيق المادة 25 من النظام والتي تنص على أنه إذا أظهرت الدراسة الاكتوارية عجزا فتلتزم الدولة بسد هذا العجز بواسطة إعانات ترصدها في الميزانية العامة، فهذا ليس حلا ابتكاريا متميزا لهذه المشكلة، فالحل الأمثل لهذه المشكلة في إدارة الأصول المالية لصندوق المعاشات بشكل احترافي متميز وكفاءة عالية وذلك لتعزيز الوضع المالي للمؤسسة وتعظيم الإيرادات الخاصة بها تباعا، وأكد النجار أن على المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية استقطاب الكفاءات المتميزة في إدارة الأموال والأصول لغرض الاستفادة من خبراتهم في تنمية أموال صندوق المعاشات. أصول التأمينات 726 ملياراً واتفق عضو الشورى م. إبراهيم آل دغرير مع إعادة دراسة العجز الاكتواري بعد دمج الاصول المالية التابعة للمؤسسة العامة للتقاعد، فمجموع الاصول للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية 726 مليار ريال وهناك استثمارات داخلية وخارجية فالأسهم المحلية تمثل نسبة 20 ٪ بقيمة 144 مليار ريال، منها 57 مليار ريال بالشركات المدرجة بالسوق السعودي وتملك المؤسسة فيها نسبة أكبر من 5 % و80 مليار ريال تقريبًا بالشركات المدرجة أيضًا ولكن بنسبة تملك أقل من 5 %، وهناك استثمار بقيمة 5 إلى 7 مليارات بالشركات غير المدرجة، كما أن مجموع الاستثمارات المحلية 394 مليار ريال بما فيها الاستثمارات العقارية وسندات حكومية محلية ونقد، وتمثل نسبة 54 % من مجموع الاستثمارات للمؤسسة، ومجموع الاستثمارات بالأسواق الأجنبية تقريبًا 332 مليار ريال بما فيها الاستثمارات العقارية وسندات حكومية أجنبية ونقد ومحافظ استثمارية متعددة الاصول، وتمثل نسبة 46 %من مجموع الاستثمارات للمؤسسة، وتتولى شركة حصانة الاستثمارية إدارة الاستثمارات المحلية وبالنسبة للاستثمارات الاجنبية يتم ادارتها من خلال مدراء اصول مؤهلين عالميًا. المتوقع من اندماج التقاعد مع التأمينات ويتابع آل دغرير: باندماج مؤسسة التقاعد مع التأمينات الاجتماعية سينتج من ذلك كيان بأصول استثمارية ضخمة جدًا، وتعتمد المؤسسة في حساب العائد الاستثماري السنوي للاستثمارات بناء على المتوسط الهندسي للخمس السنوات الأخيرة فمن عام 2014 إلى 2018 بلغ عائد الاستثمار 3.8 %، ومن عام 2015 إلى 2019 بلغ 6 %، ومن عام 2016 إلى عام 2020 بلغ عائد الاستثمار 8 %، ولكن لا يوجد بالتقرير أي نسبة لعائد الاستثمارات حسب الأسواق أو القطاع سوى بالسوق المحلية أو العالمية، وتنوع الاستثمارات بالسوق السعودي جيد ويمكن معرفة عائد الاستثمار من خلال نتائج السوق السعودي للأسهم ولكن ماذا عن الأسواق العالمية والشركات غير المدرجة حتى الشركات المدرجة والتي نسبة تملك المؤسسة فيها أقل من 5 % لم توضح بالتقرير ما هي الشركات وإنما ذكرت بمجمل استثمار بمبلغ 80 مليارا. التنسيق مع صندوق الاستثمارات وتساءل آل دغرير: لماذا لا يتم التنسيق والتعاون مع صندوق الاستثمارات العامة بدلا عن بيوت الخبرة فالصندوق لديه الخبرة الكافية، وأثبت نجاحه بذلك من خلال النتائج بالسنوات الخمس الماضية، وسيعود النفع على الجميع سواءً الصندوق السيادي للوطن وعلى المؤسسة العامة للتأمينات، مع العلم بأن من أهداف صندوق الاستثمارات العامة الاستثمار توطين التقنيات والمعرفة والتي بلا شك سيعود النفع منها على الوطن والمواطن. نظام التقاعد متأخر ودعا الدكتور فيصل آل فاضل المؤسسة إلى تكثيف جهودها لتحقيق المزيد من المنجزات في قطاع التقاعد لنكون من بين الدول التي لديها أفضل الأنظمة للتقاعد، أو على الأقل من بين الدول التي لديها أنظمة للتقاعد تحوي العديد من الميزات الجيدة وان كانت ما زالت بحاجة للتحسين في بعض المجالات، وأشار آل فاضل إلى أن عدد الموظفين بالمؤسسة كما ورد بالتقرير 1751 موظفا وموظفة وجميعهم سعوديين، وهذا انجاز يستحق الإشادة والشكر للمؤسسة لنجاحها في توطين جميع وظائفها، ويُؤمل منها أن تحقق إنجازاً في تمكين المرأة حيث بلغ عدد الإناث العاملات في المؤسسة 215 موظفة، يشكلن حوالي 12 % من إجمالي الموظفين، وهذه نسبة ضعيفة بالرغم من صدور قرار لمجلس الشورى عام 1435ه يتضمن أن على المؤسسة زيادة عدد الوظائف المشغولة بالعنصر النسوي. ولعل اللجنة تلتفت لهذا الموضوع وتستوضح من المؤسسة عنه خصوصا بعد مضي هذه المدة الطويلة على قرار المجلس دون تقدم يذكر. ذوو الإعاقة والمنظومة التقاعدية وحول منح نظام العمل وسياسة التوظيف في الجهات الحكومية الأشخاص ذوي الاعاقة مزايا فيها تمكين ودعم لهم على مستوى التوظيف، إلا أن هذا التمكين لهولاء الأشخاص لم تواكبه المؤسسة على مستوى المنظومة التقاعدية ولم نلمسه حسب آل فاضل - في تقريرها السنوي ولم ينعكس حتى على تعديلاتها المقترحة على انظمة التقاعد والتأمينات، ويذكر هنا أن بعض أعضاء المجلس قدموا مقترحاً تشريعياً يسهم في تمكين العاملين من الأشخاص ذوي الاعاقة على غرار بعض الدول المجاورة ولكن لجنة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تصدت لهذا المقترح ورفضته في مرحلة الملاءمة بحجة أن هناك مشروع نظام تقاعديا موحدا تعمل عليه الحكومة، وأدعو اللجنة أن تتراجع عن رفضها للمقترحات التشريعية على الأنظمة التقاعدية الذي أراه تقييداً على المساحة التي أتاحتها المادة 23 من نظام مجلس الشورى. نظام التأمينات ومعيار الإعالة وتابع آل فاضل: ورد قبل فترة أن المؤسسة تعمل على إعداد نظام موحد للتأمينات، ولكن ورد أمس تعديلات على أنظمة التقاعد، مما يعطي مؤشر على التراجع عن فكرة النظام الموحد واحتمال الاكتفاء بهذه التعديلات وهي تعديلات محدودة ولا يتوقع منها إحداث النقلة التطويرية المأمولة للمنظومة التقاعدية، وما زالت هذه المنظومة حتى مع التعديلات الجديدة تحتاج الى التطوير في مؤشر درجة الكفاية ومؤشر درجة النزاهة وكذلك إيقاف التفرقة بين أولاد الابن وأولاد البنت، وأرى اعتماد معيار الإعالة بينهم بغض النظر عن جنس المعال كما أرى التخلي عن النظرة القديمة للمرأة التي تربط هويتها بالرجل والمعكوسة في عدد من مواد أنظمة التقاعد لكي تواكب النظرة الجديدة للمرأة التي تمكنها وتساويها بالرجل في الحقوق المالية والوظيفية، ولعل المؤسسة تلتفت إلى هذا الجانب بالدراسة والتطوير بما يتواكب مع الممارسات العالمية المتقدمة على مستوى أنظمة التقاعد والاتفاقيات الدولية التي انضمت لها المملكة. م. إبراهيم آل دغرير أ.د. عبدالله النجار د. فيصل آل فاضل