أصدر مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)، دراسة شاملة ترسم خارطة المشهد الثقافي والإبداعي في السعودية والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تتضمن ثلاثة تقارير تعرض تطوّر الصناعة الثقافية والإبداعية، وتسلط الضوء على آراء الجمهور وكل ما يتعلق بتجاربهم الإبداعية والثقافية، وذلك في الوقت الذي يمر فيه القطاع الإبداعي والثقافي بتحول جذري، وتعافي بطيء بعد جائحة كورونا. وتظهر النتائج ارتفاع المشاركة الثقافية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع معدلات نمو أعلى في الإمارات العربية المتحدة (دبي والشارقة) والمملكة العربية السعودية (الرياضوجدة والدمام) ومصر (القاهرة). إذ أعرب نحو 90 ٪ ممن شملهم الاستطلاع عن أهمية المشاركة الثقافية. ووجدها نحو 75 ٪ منهم بأنها أفضل من وسائل الترفيه الأخرى (مثل مشاهدة التلفاز أو لعب الرياضة). كما أن ربع المشاركين اعتبروا التعلّم هو الدافع الأساسي للمشاركة في الفعاليات الثقافية. وتناولت نتائج الدراسة عوائق المشاركة الثقافية، إذ تباينت أسباب الوصول إلى الوسائل الثقافية بشكل كبير وذلك بحسب مستوى الدخل، وكان هذا المؤشر أكثر وضوحًا في المدن السعودية، حيث يعتزم 75 ٪ من المشاركين ذوي الدخل المرتفع زيارة المواقع الثقافية مستقبلًا، مقابل نحو 50 ٪ فقط من المشاركين ذوي الدخل المحدود، وعن مستقبل مشهد الصناعة الثقافية والإبداعية في السعودية، أوضحت النتائج أن السعودية بإمكانها أن تكون وجهة إبداعية للمنطقة وباقي أنحاء العالم، في ظل الدعم الحكومي الكبير للصناعات الإبداعية، مع توقع 46 ٪ من المشاركين في السعودية إنفاق المزيد على الأنشطة الثقافية والإبداعية بمجرد استقرار جائحة كورونا. من جانبها، أوضحت فاطمة الراشد -رئيسة قسم الاستراتيجيات والشراكات في (إثراء)- أنه نظرًا للأهمية الاجتماعية والاقتصادية المتنامية لهذه الصناعة الإبداعية، حرص مركز إثراء على توثيق هذا التطوّر. مبينة أن مركز إثراء أعد ثلاثة تقارير، إذ قام أولًا بالتعاون مع (إيكونوميست إنتليجنسEIU) لإنشاء تقرير عن (الثقافة في القرن الحادي والعشرين) لاستعراض الوضع الحالي فيما يتعلق بالعرض والاستهلاك الثقافيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ثم عملَ على إعداد تقرير بعنوان (رسم خارطة للمشهد الثقافي والإبداعي في المملكة العربيّة السعوديّة) لتقديم مؤشر "CCI" الذي يعمل على تقييم مشهد الصناعة الثقافية والإبداعية عبر مختلف القطاعات الرئيسة والفرعية في السعودية. وأخيرًا، قام بتطوير دراسة لتسليط الضوء على أثر جائحة كوفيد- 19 على هذا القطاع. وأكدت الراشد على أهمية تفعيل المشاركة الثقافية في المنطقة عبر التركيز على جعل المشاركة الثقافية متاحة للجميع من ناحية نوعية واقتصادية وتوفير المنصات اللازمة لذلك، والمساهمة في تنفيذ مبادرات لجعل الثقافة جزءًا من برامج التعليم العام. وعلى الرغم من ارتفاع وتيرة المشاركة الثقافية بشكل عام في جميع الدول العربية، إلّا أن نتائج الدراسة تؤكد على وجود تحديات تعيق هذا الاتجاه، أهمها: الإنفاق والدعم المحدودين في بعض الدول مع عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي فيها، إلى جانب الحضور المحدود للثقافة في النظام التعليمي السائد، ومحدودية المعلومات وقصور الوعي، والندرة النسبية للأنشطة والمرافق الموجهة نحو الأسرة. وبناءً على وجود هذه العوائق، قدمت الدراسة عددًا من التوصيات لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تشمل التالي: ضرورة تركيز صانعي السياسات ومقدّمي الخدمات على جعل المشاركة الثقافية أكثر شمولًا بإتاحة الوصول إلى المعلومات ودعم مشاركة ذوي الدخل المحدود. وأهمية تنفيذ الحكومات والمجتمعات لمبادرات تعزز التعلّم الثقافي مدى الحياة. وأخيرًا، ضرورة أن تتعرف المؤسسات الثقافية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على نقاط القوة المميزة لبعضها البعض للمساعدة في تعزيز المشاركة في جميع أنحاء المنطقة. يذكر أن هذه الدراسة استغرقت نحو عامين، وشملت نحو 9000 مشارك، وتضمنت مقابلات مع مجموعة واسعة من الخبراء الثقافيين والمبدعين من جميع أنحاء العالم، فضلًا عن تسليط الضوء على القضايا الأكثر أهمية في القطاع الثقافي والإبداعي. ويسعى مركز إثراء لأن تكون هذه الدراسة مرجعًا للمهتمين بصنع السياسات الثقافية، ولعموم المجتمع؛ لتحفيز التصورات حول وضع صناعة الإبداع وتشجيع الحوار حولها.