تميز الربيع بين الفصول الأربعة، بجماله وجمال ما فيه، مخُضّر دائم، زاهٍ بهي، وجوده الجميل في هذا الكون، يشبهُ روحاً نقية بيننا، وبين بقية الفصول. حنون حنان الطبيعة المترفة بدفء المشاعر، ونسماته العليلة تنعش القلب والروح كجبر الخواطر. روحٌ تعلمُ أن الشتاء والخريف والصيف، لكل منهم صفات، تلك أرواح البشر فما من حزين إلا وأذهب الله سبحانه حزنه، وما من برد قارس إلا ودفء الشمس قد أزاله أو خففه، فقط هو الربيع بطبيعته يملأ بكل اللغات الحب والألق. تلك هي الروح، فكيف كيف إذا انكسرت؟ كيف إذا انكسرت، أهي برد الشتاء أم أحاسيس تجمدت، أم لهيب الشمس ومشاعر قد احترقت؟ إنه انكسار القلب وما يفعله الحزن بالبشر، روح منهكة، وحزن يقطع أوتار القلوب المتعبة، هلاك نفس مريضة أو فقيرة أو محرومة أو موجوعة، وحسرة تفطر القلب وجعاً؛ والخذلان أصعبها، أو فراق الأحبة أشّدها هذه هي الدنيا ولله الحمد. إن الألم يزول، والفرح يحل مكان الحزن، والمريض يشفى، والقلب المكسور يجبر بإذنه تعالى، والسلام ثم السلام على من عرف جبر الخواطر وإنه لخلق عظيم، حينما تحمل بنقاء روحك بهاء الربيع بأزهاره ووروده الشذية تعطر ما حولك. ومن جماله أن تجعل من خلقك سلوكاً تزين فيه كلماتك وتجعلها بلسماً للحزين. فليس جبر الخواطر، أن تتصدق على الفقراء والمساكين فقط، فلربما ابتسامة صغيرة كفيلة أن تدخل الفرح على قلبٍ مكلوم، وربما كلمة طيبة تسعد فيها روح أتلفها الحزن وسقطت؛ وهؤلاء المساكين والخائفون واليائسون والبائسون ومساعدة المحتاجين أن تثلج أرواحهم فأنت؛ كالربيع الحي، والله يعلم إحسانك ويراه، فكيف وهو أرحم الراحمين؟ وإن ما نعيشه اليوم وكل يوم في جميع معاملاتنا اليومية والحياتية الاجتماعية والعملية ما يحيط حولنا من بشر، وخلاصة المعاملات ما نراه أو نسمع عنه، فلان قد أصابه المرض أو فقد عزيزاً لديه، من أهله من أصدقائه، ومن جمال الروح جبر خاطره بتأدية الواجب وثناء بكلمة تدخل لقلبه الطمأنينة والهدوء وتهون عليه، فأنت على خلق ومعدن أصيل. أن تدخل مطعماً، أن تحتسي القهوة والنادل يقدم لك طلبك، كلمة الشكر والثناء لن تكلفك شيئاً لكنك تنعش الروح، وأن تجد طفلاً يتيماً فتمسح رأسه، أو فقيراً تساعده، أو مسناً تمسك يده عوض عكازته، أن تجبر خاطر المتعب والحزين لك أجر عظيم. لقد عظّم ديننا الإسلامي جبر الخواطر، لما له من أثر عظيم، قال تعالى: (وافعلوا الخير لعلكم تفلحون). وقال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (خير الناس أنفعهم للناس) والناس للناس، فلنجعل السلام والتراحم سائداً بيننا وبين أهلنا وأسرنا ومجتمعنا وأحبابنا ولنكن لهم كالربيع.