في الأعمال الأدبية هناك بعض الروايات تضم عدداً كبيراً من الشخصيات وتحدث بينهم علاقات متشابكة ومعقدة، لذا نجد بعض القراء يعيشون مأزق حفظ الأسماء في تلك الروايات، وقد يضجر البعض منهم من قراءة العمل بسبب التعددية وكثرة الشخصيات، لذا وجود خارطة الشخصيات يعد أمراً مهماً، لكن الناشر العربي في مثل هذه التفاصيل لا يهتم كثيراً في المحتوى التفاعلي، وفي هذا الحوار تتحدث المهندسة مريم حمد وهي مدوِّنة إماراتية، درست هندسة البرامج وعملت سابقاً في تطوير المواقع وتصميم الجرافيكس عن رؤيتها في تصميم خارطة الشخصيات الروائية: * كيف جاءت فكرة تصميم خارطة شخصيات روائية؟ وما الذي دفعك إلى ذلك؟ * لطالما كان لدي هاجس تقديم شيء ما لعالم الكتب والقراءة الحرة، مقابل ما قدمه لي من فائدة جليلة ومتعة خالصة، لذلك حرصت منذ البداية على أن أكتب رأيي في كل كتابٍ أقرؤهُ حتى لو بكلماتٍ معدودة لأُفيد القرّاء، وكان هذا كافياً بالنسبة لكثير من الكتب، لكن دائماً هناك كتب تستحق أكثر. وحيث إنني كلما قرأتُ عملاً جديداً أحب أن أبحث عن كل ما يتعلق به في الإنترنت، كنت كثيراً ما أجد مصادر أجنبية رائعة للأعمال الشهيرة بجانب المقالات النقدية ومراجعات القرّاء، فأجد رسومات وإنفوغرافيك (مخطط بيانات) وخرائط للشخصيات، بالمقابل وجدتُ أن المحتوى التفاعلي العربي مع الكتب شحيح ومتواضع إن وُجد، رغم أن الأعمال الأدبية العالمية الشهيرة تستقطب جمهوراً واسعاً من القرّاء العرب، فكرتُ حينها أنني أستطيع توظيف خبرتي في تصميم الغرافيكس لأشارك في إثراء محتوى المكتبة العربية، فكانت نيتي في البداية أن أصمم إنفوغرافيك يختصر محتوى بعض الكتب الفكرية المفضلة عندي، لكن عندما قرأت رواية تولستوي العظيمة «الحرب والسلم» استفدت أكثر ما استفدت من خارطة الشخصيات التي وجدتها للرواية باللغة الإنجليزية. الأعمال الكلاسيكية بحاجة لتقديمها بطرق مبتكرة وعندما أنهيتها أردت أن أختصر على القرّاء العرب مجهود متابعة الأسماء المعقدة والعلاقات الممتدة والمتشابكة في هذا العمل العظيم، ليتفرغوا لمتابعة السرد وسير الأحداث، لذلك صممت خارطة لشخصيات العمل حسب رؤيتي له، ومن هناك كانت البداية. * مثل هذه التصاميم هل من الممكن أن تتحول إلى شكل جمالي أم هي تصميم وظيفي مهمته التوضيح للقارئ؟ * كل تصميم له هدف وظيفي عليه تأديته، لكن طريقة العرض لها دور كبير في جذب انتباه الرائي ليتحقق هذا الهدف، بالنسبة لخرائط الشخصيات التي أصممها فاللمسات الفنية أو الجمالية تأتي في المرحلة الأخيرة، وأحرص على أن تخلق جواً مشابهاً لأجواء العمل، حتى تحقق فائدة بصرية بجانب الفائدة الوظيفية للقارئ وقت استخدامها. * في رأيك هل كل الروايات تحتاج تشجيراً؟ * لا، فقط الأعمال الطويلة والملحمية، والأعمال الزاخرة بكثير من الشخصيات ذات العلاقات المتشابكة والمتعددة، وأيضاً الأعمال ذات الأسماء صعبة النطق والمعقدة مثل الروسية والنرويجية. * كيف كانت ردة فعل القراء على هذا التصميم؟ وما أبرز ردود فعلهم؟ * خريطة شخصيات الحرب والسلم، والأخوة كارامازوف، وجدتا الكثير من الاحتفاء، وتلقفها القرّاء بتقدير واهتمام لشهرة هذين العملين، وهذا يدل على أنه كانت هناك حاجة لمثل هذه الخرائط التي قد تشجّع قارئاً على البدء بقراءة رواية طويلة أجلَها كثيراً بسبب تعقيد أسماء شخصياتها وكثرتها، أبتهج كلما أخبرني قارئ أنه استخدم خارطة واستفاد منها، ففكرة أن عملي يرافق قارئاً ما خلال قراءته لعمل عظيم فكرة باعثة على السرور والرضا. * هل هذا التشجير مهمة دور النشر أم هو مهمة الروائي؟ وما رأيك فيما تقوم به بعض دور النشر في وضع خريطة توضح فيها أسماء الشخصيات مع توضيح ارتباط كل شخصية بأخرى، وأحيانا نجد وصفاً مختصراً لتلك الشخصية؟ * في هذا الجانب، يجب أن نفرق بين الأعمال الحديثة والأعمال الكلاسيكية، بالنسبة للأعمال الحديثة، لا بد أن كل روائي لديه خرائط للشخصيات وعلاقاتها، وخطوط زمنية لعمله ضمن مسوداته، لكن مهمة الروائي هي تقديم النص، ودار النشر مهمتها نشر النص، ولو أراد الروائي نشر خريطته الخاصة أو توضيحات أخرى بجانب النص فهذا اختياره، أما الأعمال الكلاسيكية التي لا يتوقف القرّاء عن اقتنائها فهي تستحق عناية أكثر من دور النشر، وتستحق أن يُعاد تقديمها بطرق مبتكرة، لاحظ كيف تتنوع الطبعات الإنجليزية للكلاسيكيات، فهناك الطبعة ذات الغلاف السميك الفاخرة، وهناك المذهبة من الأطراف، وهناك التي تحوي خرائط جغرافية أو تشجيراً للشخصيات أو رسومات لفنانٍ ما، ثم يأتي تفاعل القرّاء مع النص الذي قد ينتج إبداعات متنوعة، فهناك من يكتب عن العمل، وهناك من يرسم شخصيات العمل حسب رؤيته لهم، وهناك من يكوّن مخططات لشخصيات أو أحداث العمل ويشاركها بقية القراء. * ما الروايات التي بودك عمل تشجير لشخصياتها؟ * ملحمتي الإلياذة والأوديسة، وثلاثية نجيب محفوظ. * في الطبعات القديمة للروايات المصرية كانت هذه الرسومات تصور ملامح شخصيات الرواية، هل تؤيدين عودة مثل تلك الرسومات؟ وما رأيك في وجودها في الرواية؟ * أصنّف نفسي كشخص بصري، لذلك أقدّر كثيراً الطبعات التي ترافقها توضيحات بصرية سواء خرائط جغرافية أو خرائط للشخصيات أو رسومات مرفقة بكل فصل، الجميل في تلك الطبعات أننا نتعرف على إبداع فنان بجانب قراءة نص الأديب، فتكون المتعة مضاعفة.