في ظل الطفرة الروائية التي نشهدها على مستوى المنجز الثقافي المحلي.. تعيش الرواية المحلية مأزق القبول لدى المتلقي .. وتعاني تصاعد نبرة التشكك في حضورها الإبداعي من قبل الناقد . ومن خلال هذه العلاقة المتأزمة بين المنجز الروائي المحلي والمتلقي الذي نجده كمقروئية تجاوز سقف الإبداع المحلي بقراءته الأعمال الروائية العالمية والعربية . وفي هذا المحور نفتش عن رؤية المتلقي اتجاه الرواية المحلية .. وكيف يرصد تلك التجارب الروائية. والى أي حد تكون قناعته بجودتها الإبداعية . سميرة السليمان تبتهج بهذه النافذة التي تمنح المتلقي ان يقول رأيه في المنجز الروائي وتضع سميرة معياراً لمسمى الروائي مالم تكن له على الاقل ثلاث روايات وتضيف: نحتاج أن نقرأهم "بلهفة" .. لآخر سطر: جيد جداً أن يناقش أمر القارئ على مساحة واسعة وكبيرة تصل إلى أذن كاتب الرواية , يهمنا كثيراً أن يصغوا إلينا جيداً , طالما أنهم تحملوا عاقبة تسميتهم ب "روائيين سعوديين" إذ ليس من المعقول أن نرى النتاج الأدبي للكتاب والكاتبات السعوديات يطفح وتمتلئ به المكتبات دون أي اكتراث حقيقي من الروائي يجعله يعلم أن كتابة الرواية مسؤولية كبرى , وهو في كل مرة أمام منحنى أصعب وأخطر. ليست المشكلة فينا نحن كقراء وفي أذواقنا , ولكن من حقنا أننا حين نتطلع لنتاج روائي معين بكل شغف .. أن يكون على المستوى المطلوب الذي يستحق الانتظار. ببساطة فإن القارئ يريد رواية متعوب عليها ويطمح لقراءة الجديد والأفضل, كما يريد من الروائي أن يكون أكثر جدية في صنع الرواية من كافة نواحيها. نريد رواية جيدة لتصنع رواية فإن الأمر مسؤولية كبرى .. ويحتاج أن يتعرّق الكاتب ليعرف ردود القراء. إننا نلاحظ هذا الخوف من ردود الأفعال في أي رواية أولى تُكتب , وحين يسعد الكاتب بنجاحها ويلصق بجوار اسمه كلمة "روائي وقاص" فإنه لايعير القارئ الاهتمام الأول . فهاهو قد وصل إلى مايريد . ونصّبهُ المجتمع. وليس الأديب كالروائي .. والحقيقة أنه في نظري لايستحق أن يكون له شرف مسمى "روائي وقاص سعودي" مالم تكن له على الأقل ثلاث روايات ناجحة تماماً . فبعض مانقرؤه يفتقر لمعنى الرواية , فهو أشبه مايكون بمذكرات شخصية , وليس كل شيء يستحق النشر . أجل نقرأ الكثير من الروايات التي هي جيدة الأسلوب وليست كذلك في المضمون , ونقرأ العكس , وبالمناسبة فإن القش الروائي الكبير الذي تتمتع به أرفف المكتبات يفتقر دائماً إلى الأسلوب ونكهة الرواية , وبما أن ذائقة القارئ السعودي ارتفعت لتميز الجيد من الردئ فهي تُحبط تماماً حين تتكبد عناء الحصول على رواية ممنوعة من النشر هنا , أو أنها تنشر على استحياء في بعض المكتبات هنا ثم يفاجأ بأنها لم تكن تستحق كل هذا العناء . فقط الكثير من الجدية من قبل الروائي , هذا هو مانريده كقراء . لو اكتفى الكاتب برواية واحدة حقيقية تجمع الفكرة الجيدة والمضمون القوي والهادف والأسلوب المميز كل خمس أو عشر سنوات تخلّده وتصنع له مجداً لكان أفضل بكثير من تعاقب روايات فاشلة تطيح بجهده الأول . القارئ السعودي على قدر كبير من الفهم والدراية وتنوع الثقافة, كما يستطيع أن يميز الأفضل بسهولة , هو يسعى لأن يقرأ لكتاب بلده أعمالا روائية كبيرة يعتد بها ويفخر , وهو دائماً يشجّع الكتاب عند نجاحهم , ولعلك ترصد عبر المجلات والصحف والإنترنت ردود أفعال القراء التي تشجع وتشكر الرواية الجميلة , لكنني أرجو ألا يستخف الكاتب برؤية القارئ السعودي ويعتمد على نجاح سابق , أو يطرح نتاجه الجديد والقارئ مازال مخدراً من أثر الرواية المتميزة الأولى. نحن نستطيع أن نقول "لا" .. لكل مالا يعجبنا ولو كنا في منتصف السطر الأول . لانتحامل أبداً على أي روائي سعودي , نحن نتمنى نجاح الأدب هنا , ونرجو أن يشار لأدبنا السعودي بالبنان .. فقط نريد احترام الكتاب لأدبهم ثم لقرائهم. نحتاج أن نقرأهم "بلهفة" .. لآخر سطر التفتيش عن الذات سعد الخالدي نموذج للمتلقي الذي اعتاد ان يقرأ وهو يفتش عن ذاته الغائبة في النتاج الروائي وعن رائحة المدن من خلال رواية محلية نقرأ فيها عن ذواتنا من خلال سرد روائي يقدم ملامحنا بشكل جيد فهو بسردية جميلة يقول: منذ سنوات تربيت على قراءة نجيب محفوظ ومحمد عبدالحليم عبدالله وميخائيل نعيمة وحنا مينه وبعض الترجمات التي تصلنا من بيروت.. ولم أفكر أو أسأل نفسي يوما: لماذا لا نقرأ عن أنفسنا؟ أي يأتي كاتب من بلادنا ويكتب عن واقعنا، بكل مافيه من تناقضات ومشاكل وأزمات. بعد "شقة الحرية" للقصيبي وجدت أن هناك شيئاً ينقصنا، نريد أن نقرأ عن أنفسنا، ومدننا، وأهلنا! ورغم أنني فرحت برواية القصيبي إلا أن مكانها لم يقترب مني! ثم جاء بعده الروائي الكبير تركي الحمد، فأحببته في رواية "العدامة" وأيقنت أن من الممكن أن نقرأ أعمالا روائية ناضجة من هنا، من وعن الداخل، عن المكان والناس والشوارع، ورغم أن الطرح السياسي ليس من اهتماماتي، ورغم سيطرته في روايات الحمد "العدامة" و"الشميسي" و"الكراديب" إلا أنني أحببتها كثيرا. ونجد ان سعد يضع اشكالية اخرى هي تلامس الذائقة للمتلقي وكيف ينقطع الود القرائي مع تلك الروايات التي مناخاتها لا تقترب منه: بعد ذلك قرأت لعبده خال في "الأيام لا تخبئ أحداً" إلا أنني شعرت بالملل.. لا أعرف هنا مشكلة عبده خال، وهي عدم قدرته على التأثير على القارئ! يعني كيف؟ أظن بعض القراء عاشوا نفس المشكلة مع رواياته، وهي عدم قدرته على جذب القارئ. أما رجاء عالم فروايتها صعبة جداً.. ولم أقرأ لها أكثر من صفحات من روايتي :"طريق الحرير" و"خاتم"؟ أحببت روايات يوسف المحيميد، ففي روايته "فخاخ الرائحة" كان هناك تنويع على أماكن وأشخاص وأحداث مرعبة! أول ما قرأت الرواية قلت لنفسي: هذا هو! أقصد روائيي المفضل! والذي سأقرأ له كل مايكتب. وقد صدق ظني، فقد اشتريت رائعته "القارورة" من بيروت، واستطعت أن أقرأها في ليلة واحدة، رغم أنها طويلة نسبيا (حوالي 220صفحة) إلا أن المتعة فيها.. وقدرته على جعل شخصياته: منيرة الساهي، وعلي الدحال.. شخصيات حيّة ومؤثرة.. هي ما جعلتني أقرأها في وقت قياسي!! هل يصدق أحد أن شخصية منيرة بقيت تلاحقني في كل مكان! لقد أحببتها وحزنت لأجلها، كما كرهت علي الدحال رغم أنه ذكي، لكنه استخدم ذكائه في تدمير الآخرين، والرواية فيها ذكاء وفطنة روائية حادة، كل شيء فيها مقبول ومبرر ومنطقي. لقد سألت في بيروت أحد موظفي دار رياض الريس، أظنه مدير التوزيع فيها، سألته عن "فخاخ الرائحة" فقال لي بالحرف الواحد: هذه الرواية بيعت في بيروت أكثر مما يبيعه أهم الروائيين اللبنانيين!!!! لقد فرحت أن كاتبا من بلادي يحقق مثل هذه الشهرة في بلد عربي بعيد. الرواية الناضجة اريج محمد سليمان ترى أن الرواية المحلية اصبحت اكثر نضجاً .. واستطاعت ان تتشكل كياناً روائياً برغم العوائق والتابوهات الاجتماعية التي تعيق عفوية الروائي في تناول الواقع الاجتماعي: من أسباب قبول الرواية لدى المتلقي تفاعله مع شخوصها وأحداثها,بحيث تكون الشكل المعبر عن المجتمع وبحكم الظروف الحالية وما نشهده من تقلبات فكرية واجتماعية, . صار الخطاب الروائي السعودي أكثر نضجا وتلمسا للمجتمع واستيعابا لطبقاته, بعد أن كان أسيرا للتقليد والخوف من مقص الرقيب. والرواية المحلية على وشك أن تتجاوز مرحلة التقليد لتشكل كيانا ذاتيا لها. بلغت بعض التجارب الروائية السعودية مستوى راقيا من حيث تفاعلها مع واقع المتلقي.. أذكر على سبيل المثال (الحزام) لأحمد أبو دهمان .. (سقف الكفاية) لمحمد حسن علوان ..( الفردوس اليباب ) لليلى الجهني القارورة) ليوسف المحيميد. وأن تعامل المتلقي مع الأولى والثانية كنص لغوي مهمل مضمونها. الرواية المحلية تشهد بداية نضجها, وعلى الرغم من هذا لا تنال الاهتمام الكافي من قبل المتلقي بسبب اندفاعها عكس التيار في مجتمع محافظ وذلك لتجاوزها الخطوط الحمراء في الدين أو الجنس.. أضف إلى ذلك قلة القراءات النقدية للرواية المحلية في الصحف والمجلات. ولعل السبب الأكبر..كما أرى يرجع إلى عدم توفر الروايات المحلية في مكتباتنا !! محمد الحميد ينحاز الى تجربة عبده خال ويجد في العذابات التي يسكبها خال في روايته بنكهة الحزن محرضة على القراءة وكاشفة لما هو مغيب في الحيز الجغرافي : الرواية المحلية تزخر بالعديد من الأسماء اللامعة لكن واسطة العقد يتجلى في الروائي عبده خال خصوصاً روايته الطين إذ إن الغوص في مسارب النفس البشرية يحتاج إلى سبر اجتماعي ونفسي وثقافي ... ثم إن اللغة الفلسفية التي ما فتئنا نرتع في أفيائها دال رئيس على إجادة هذا الروائي الذي يسلب شهقاتك من دلوف الابتداء إلى وداع اللانتهاء. كما أنه يتجلى في الروائي عبده ذاك الكشف الصادق دون ادنى فبركة للواقع..مع النكهة الحزينة التي يصبغها للقارئ جراء رواياته كما أنه كشف لنا حيزاً جغرافياً لم نعلم قليلة فنكتفي عن المزيد ولا كثيره فنمل. الزخم الروائي محمد سلاف بمنطقية يرى فيما يطرح روائيا يرضى طموحه كقارئ ويشيد بقدرة الروائي المحلي بتجاوزه تيارات اجتماعية يغلب عليها طابع التحفظ والانزواء والانكفاء إلى الداخل: تشهد الساحة الثقافية المحلية في العشر سنوات الماضية طفرة روائية غير مسبوقة، ولعل زخم الحرية الذي صنعه الروائي لنفسه ساهم وبشكل كبير في تفشي هذه الظاهرة وبالتالي بلورتها بشكل غير مسبوق مقارنة بتلك البدايات المرتبكة والمخنوقة إبان حقبة الأربعينات والخمسينات زمن الأنصاري وحامد دمنهوري وغيرهما . وأصبح القصيبي والحمد وعبده خال ومحمد حسن علوان والمحيميد ورجاء عالم فرسان هذا الميدان لجرأتهم على كسر التابو وبالتالي الخوض في مساحات تعتبر في عرف المجتمع إشارات حمراء يجب التوقف عندها !! ،فاستطاعوا بذلك أن يتجاوزوا محليتهم باتجاه الأشمل وأن يرسموا لأنفسهم مكانا على الخارطة العربية الروائية ، وأصبح المتلقي المحلي متحفزا لاقتناص كل ما يطرحه هؤلاء الروائيون كيف لا وهم يرصدون نبض البيئة المحلية بعجرها وبجرها وسط تيارات متصارعة يغلب عليها التحفظ والانزواء والانكفاء إلى الداخل . وكقارئ أحرص على تلقف ما تلفظه الساحة الروائية المحلية مقارنة بغيرها ، واستطاع الروائي المحلي أن يرضي طموحي كقارئ لغويا وسرديا واجتماعيا إلى حد كبير.أن تولد مشاكساتك في بيئة محافظة غير منفتحة يشكل تحديا آخر وهذا مايميز الروائي السعودي عن غيره. رواية مستهلكة عذبة المحمد لا تحمل الكثير من الرضا على الرواية المحلية حيث ترى أن الرواية المحلية في الغالب مستهلكة وتدور على قالب واحد وفكرة وحدة وكأن المجتمع انعكس على واقع فردي : ومانعاني منه الآن ان كتاب الرواية في مرحلة انتقالية لم تتكون بعد نتائجها وعلى ضوء هذه النتائج نعرف اين مكان كتّابنا الآن من بين الكتّاب الآخرين.. بعضهم مازال يحاول ان يصيغ قيما جديدة والتعامل مع كتابة الرواية على اساسها ..مراحل الانتقال هي اصعب المراحل ..ويكثر فيها السقوط ..ربما من هنا كان احجام بعض الروائيين ممن ترتكز عليهم الرواية على معاودة كتابتها او مزاولته. من المجحف حقا لو بدأنا بمقارنة بين الرواية المحلية / والرواية العالمية والعربية بسبب ان الروايات الاخرى غير المحلية وجدت منذ زمن بعيد وقبلنا بمراحل وهو ما يساوي حضورا متفسحا في مجالات الادب خصوصا الرواية لكن هذا لايمنع ان نقرأ الادب العالمي والمحلي ومنه نستمد أفقا ارحب وتجديدا للفكرة. الرواية لايمكن ان تخرج بصورة نقية عن طريق الابتكار الفردي فقط.. دون ان يكون له أي اساس في الحياة الاجتماعية في البلد نفسه.. وهنا لا اخفيك خنق لكل نفس متصاعد للرواية ورقابة تقتل روح الابداع.. وانا في تصوري الامر لم يعد يحتاج الى كل هذا الصرامة ومهما يكن من امر الآن كل شيء مفتوح امامنا ومن خلال نوافذنا المشرعة في بيوتنا.. فلم التعقد الجدلي الذي يعيق انتاجنا الادبي .. ومن خلال قراءتي للادب المحلي والادب العربي والعالمي وجدت ان الفكرة في الرواية المحلية في الغالب مستهلكة وتدور على قالب واحد وفكرة واحدة وكأن المجتمع انعكس على واقع فردي وحالة وحدة / حب او مشاكل حب او علاقات مثلية / يعني فكرة مش هابطة.. لكن طريقة الطرح تعكس بيئة منغلقة.. بعكس الرواية في الادب العالمي على وجه الخصوص تجد الرواية بها من الفكرة الف فكرة متداخلة ومترابطة ووعي جمالي يعكس واقعا مباشرا ومستقلا يتم التعبير عنه في سلوك الافراد في الرواية ..وايضا تجد الشخوص متسلسلة في الرواية وتجدها تدور في ازمان ومراحل وحقب مختلفة.. يعني الرواية تنقل لك عصر الجد والاب والابن بكل مايحدث في المكان والزمان ولا يلام القارئ لو اتجه للادب غير المحلي في ظل الانفتاح الواسع على الثقافات الأخرى. تركي الحمد احمد ابو دهمان